الأخت مارتينا
وتراءى ملاكُ الرب في لهيب نارٍ من وسط العُليقة. “ورأى موسى العُليقة تتوقد بالنار وهي لا تحترق” إن اختيار الله للشخصيات التي يوكلها مهمات ومسؤوليات خلاصية غالباً ما يكون من الطبقات الفقيرة، وفي أغلب الأحيان ينظر إلى القلوب الوديعة والمُنسحقة التي ترى بوضعها تحقيقاً لإرادة الله. ومن ضمن هؤلاء الأشخاص موسى الذي دعاهُ الله لتخليص شعبهِ من العبودية ودعوة موسى كانت من خلال العُليقة المُشتعلة الغير محترقة، دعاه الله ليعود إلى ملك مصر ليُخرج شعبهِ من أرض العبودية. هكذا تمت دعوة موسى وهكذا تم اللقاء المُقدس. لقد اشتعلت العُليقة بالنار ولم تحترق كمثل العذراء مريم التي ضمت اللاهوت ولم تتأذى حل الله داخلها ولم يمسها ضرر، فتكون مريم العذراء عي “العُليقة المُشتعِلة” وهي لا تحترق رأى فيها موسى نار الألوهية. مُشتعلة بنار الله ولاهوتهِ، ومتوقدة بمحبتهِ، لأن المسيح كلمة الله الأزلية، سيسكن في أحشائها تماماً كما سكن في العُليقة قديماً وعبرها خاطبَ موسى.
مريم والدة الإله هي العُليقة المتوقدة المُشتعلة وغير المحترقة التي من خلالها ستتحرر البشرية، بواسطة الرب يسوع ابنها من العبودية المرة، عبودية الشيطان واستبدادهِ، وحكم الخطيئة والموت إلى الحرية حرية أبناء الله. بقيت مريم عذراء وبتولاً بعد ولادتها ابن الله بالجسد. هو الله نفسهُ الذي حَفِظَ الأثنين بلا فساد فهل يعجز على الذي سكَنَ العُليقة بنارهِ المُتأججة وحافَظَ على نضارتها وخضرتها. هل يعجزُ عليهِ ألا يحافظ على بتولية الفتاة التي سيسكن فيها، ومن خلالها سيُخاطب الإنسان ويصبح قريباً منهُ ويأكل معهُ ويلمسهُ. الكنيسة تتأمل في هذا السر العظيم، سر العُليقة المشتعلة وغير المُحترقة وترى فيهِ سر ولادة مريم للرب يسوع المسيح، إذ قد حفظها بتولاً وعذراء نقية، فيقول الأباء فيقول القدِّيس هيبوليتس الروماني: “يتحدث الله مع قديسيه في الكنيسة كما في العُلِّيقة. وكأن موسى النبي رأى في العُلِّيقة كنيسة السيِّد المسيح المتألمة تحوط بها الأشواك، لكنها ملتهبة بنار الروح الإلهي فلا يصيبها الموت يرى القدِّيس إكليمنضس الإسكندري في العُلِّيقة إعلانًا عن الميلاد البتولي، فقد وُلد السيِّد المسيح من البتول، وبميلاده لم تُحل بتولية العذراء. ويقول القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص: “نور اللاهوت الذي أشرق منها نحو الحياة البشرية خلال ميلادها (ليسوع المسيح) لم يحرق العُلِّيقة المُتَّقدة، وذلك كما أن زهرة البتولية فيها لم تذبل بإنجابها الطفل”.
لِنُصَّلِ: يا مريم العذراء القديسة أمنا المباركة، يا أيتها العليقة غير المحترقة، لأن نار اللاهوت لا تُحرق حشاكِ. لقد أختارتك المشورة الأزلية لتكوني أُم الكلمة الأزلي المتجسد. أنتِ حافظة النِعم الإلهية والمحامية عن الخطأة. نلتجئ إليكِ نحنُ غير المستحقين، تكرمي وكوني هاديتنا، استمدي لنا بواسطة دم ابنكِ الثمين غفران خطايانا، وخلاص نفوسنا، واستمدي للكنيسة المقدسة الانتصار على أعدئها وانتشار ملكوت المسيح في العالم أجمع.