full screen background image

التأمل التاسع عشر مريم العذراء عروس الروح القدس

802

الأخت مارتينا

حيا الملاك جبرائيل مريم، مُسمياً إياها المُمتلئة نعمة. وما عسى يمكن أن يضاف إلى هذا الإمتلاء؟ لا شيء في رأينا، ولكن في رأي الله، لم تكُن بعدُ إلا في مُستهل القداسة التي كان يود رفعها إليها. ولما غادرها الملاك تلقت في أحشائها خالق النعمة نفسهُ. لقد اصطفاها الروح القدس عروساً لهُ وقد صانها بريئة من كل دنس الخطيئة واغناها بآلامهِ ونعمهِ الغزيرة. كرمها بحلولهِ فيها حسبما ورد في الإنجيل: “روح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تُظللكِ”، (لوقا1: 35). وبعد البشرى العظيمة نراها تنتزع من نفسها غمرة النجوى الإلهية وتمضي مُسرعة إلى الجبل، (لوقا1: 39). لتحمل إلى يوحنا السابق إلههِ الأزلي، إذ تُسرع في إعطاء الإله لمن يتوق التقرب منهُ. طوبها أيضاً بلسان أليصابات عند المُلاقاة وما أن رن صوت مريم في أذن نسيبتها حتى تطهر وأرتكض يوحنا بتهليل في بطنِ أمهِ (لوقا1: 44) فهتفت حينئذ أليصابات قائلة: “مُباركة أنتِ في النساء ومُباركة ثمرة بطنُكِ. من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ”، (لوقا1: 43). ولم تتفوه أليصابات بهذهِ العبارات إلا بإلهام الروح القدس على ما يؤيد النص عند قولهِ: “وأمتلأت أليصابات من الروح القدس”، (لوقا1: 41).

يقول القديس أنسلمس: “إن الروح الإلهي جاء إلى مريم وحل فيها جسدياً، وإذ أغناها من النِعم فوق المخلوقات كلها، إستراح فيها وصيرها سلطانة السماوات والأرض هذهِ عروسةً لهُ”. وقال عن الروح القدس إنهُ حلَ فيها ليصور من ناسوتها البريء من العيب ذاك الجسد الكلي الطهارة، جسد يسوع المسيح. والنعمة التي تلقتها مريم العذراء من الروح القدس هي المشاركة في الطبيعة الإلهية، هي هبة من الله تتخطى المتوقع، بل هي هبة الله لذاتهِ مجاناً. هي لقاء وجهاً لوجهٍ بين الله والإنسان، يقول البابا الفخري بندكتس السادس عشر: “ليست النعمة شيئاً يأتي من الله بل هي الله نفسهِ”. ملأها الله نعمةً أي منحها ذاتهِ، واستجابت هي كليةً لهذا العطاء بالإيمان استسلمت بلا تحفُظ، وبصفة أمة الرب أسلمت ذاتها كاملة لشخص ابنها ولعملهِ. ملء النعمة، هو جاهزية الأمة الكاملة لمشيئة الرب، هبة ذات مُتبادلة بين الله والعذراء، بواسطة الروح القدس، مثلما يهب الآب الابن أَحدهما الأخر، أبدياً من خلال روحهما القدس.

لنصلِّ: يا أمنا القديسة مريم لعذراء، يا ملكة السماء المبجلة، إننا نبجلكِ بأعظم إحترام. ونؤمن بأنك إبنة الآب الأزلي، وأم الإبن السرمدي، وعروس الروح القدس، يا ممتلئة نعمة وفضائل وعطايا سماوية، أنت أطهر هيكل للثالوث الأقدس، أنت حافظة وموزعة الرحمة الإلهية. إجعلنا أن نحظى بنعمة الله ونعمة حلول الروح القدس علينا كيما نكون هياكل مقدسة لهُ دائماً. آمين.