full screen background image

تأمل اليوم الحادي عشر من الشهر المريمي

1161

انتقال مريم العذراء إلى السماء بالنفس والجسد

إعداد الأخت مارتينا

في تأملنا بالعذراء مريم ننال نعمة أخرى: نعمة أن ننظر بالعمق في حياتنا. نعم، لأن وجودنا اليومي، مع مشاكله وآماله، ينال نورًا من أم الله، من مسيرتها الروحية، من مصيرها المجيد: مسيرة وغاية يمكن، لا بل يجب أن يضحيا، بشكل أو بآخر، مسيرتنا وغايتنا. إن عظمة مريم، أم الله، الممتلئة نعمة، والخاضعة بالكامل لعمل الروح القدس، تعيش في سماء الله بكامل كيانها، نفسًا وجسدًا. يشير القديس يوحنا الدمشقي إلى هذا السر قائلاً: “اليوم حُملت العذراء إلى الهيكل السماوي… اليوم، التابوت المقدس الحي الحامل الإله الحي، التابوت الذي حمل في أحشائه صانعه، اليوم يرتاح في هيكل الرب الذي لم تبنه أيدٍ بشرية”، ويتابع القول: “كان لا بد لتلك التي استقبلت في حشاها اللوغوس الإلهي، أن يتم انتقالها إلى أخدار ابنها… كان لا بد للعروسة التي اختارها الآب، أن تقيم في أخدار السماوات”. (البابا الفخري بندكتس السادس عشر)

مريم العذراء هي مثال المؤمن، وإن كانت قد دُعيت للخلاص بالإيمان بفضل نعمة الله، وافتُديَت بذبيحة ابنها ككل أعضاء جنسنا، فهي بذلك تحتل مركزاً فريداً في الكنيسة، فيها نرى سر الكنيسة الذي تعيشهُ على نحو كامل نفس تقبل كلمة الله بكل إيمانها. فبعدما أتمت مريم العذراء الكلية القداسة حياتها الأرضية نُقِل جسدها ونفسُها إلى مجد السماء، حيث تشترك في مجد قيامة ابنها، مستبقةً قيامة جميع أعضاء جسدهِ. لقد دخل المسيح بصعودهِ في مجد الآب وها هو يُدخل العذراء أمهُ في هذا المجد الأبدي، هذا ما نقلتهُ عقيدة انتقال العذراء. مريم هي ثمرة الفداء الناضجة وهي دخلت في المرحلة النهائية لأنها تركت حياة الأرض وإطار الزمان والمكان لتدخل أزلية الله في حياتها على الأرض، كانت مريم أفضل تحقيق لسر الخلاص وهذا السر وصل إلى تمامهِ بسبب قيامة يسوع بجسدهِ ونفسهِ وعلى هذا تعلن الكنيسة أن العذراء في نهاية حياتها على الأرض قد نُقلت بالجسد والنفس إلى المجد السماوي.

في القرن السادس، كان الإيمان بانتقال العذراء من المُسَلمات، وموضع تعظيم الشعب المؤمن، ومنذ ذلك الوقت بات يُحتفل بعيد الانتقال في 15 أب من كل سنة وغدا من أكثر الأعياد شعبيةً. وتجسيداً لهذا الإيمان أعلن البابا بيوس الثاني عشر في 1/ 11/ 1950 عقيدة انتقال العذراء جسداً ونفساً إلى السماء، وخلاصة إعلانهِ أن “مريم، أم الله المنزهة من الدنس والدائمة البتولية، بعد أن طوت شوط مسيرة حياتها الأرضية، رُفعت إلى السماء جسداً ونفساً”. لماذا حصلت مريم على هذهِ النعمة الفريدة منذ نهاية حياتها على الأرض ولم تنتظر نهاية العالم وقيامة الموتى شأن جميع المخلّصين؟ إنها ولا شك نعمة فريدة وامتياز رفيع من قبل الرب. إنها هي التي حُبل بها بلا دنس والتي غمرها الرب بنعمهِ، فشاءها أن تتحرر من هذا الانقسام الذاتي الذي نعيشهُ مع الموت. إنها أم الله فكان من اللائق أن يتمجد جسدها مع جسد يسوع ثمرة حشاها وهي التي شاركت يسوع في حياتهِ وآلامهِ فلا عجب إذا أشركها في حالة المجد التي يعيش فيها في السماء.

تستقبل السماء أمنا مريم، وتستقبل معها كل الأرض، كل الناس الذين جعلوا حياتهم أرضاً خصبة تستقبل كلمة الله، وتسمح للكلمة بأن تثمر فيهم، وتسير بتواضع أمام وجه الله الذي أراد أن يرفعهم جداً، وهكذا تتواصل أنشودة التعظيم عبر الأجيال كلها. فنحنُ اليوم لا نُكرِم مريم فحسب بل نشكر الله على أنهُ اختار مريم وخصّها بكلمتهِ وأنعمَ عليها بروحهِ لتكون أم الكنيسة التي كانت مريم تُصلي معها منذ البدء لتواصل رسالة الخلاص. في مريم المنتقلة إلى السماء، المشتركة بالتمام في قيامة ابنها، نتأمل تحقيق الخليقة البشرية بحسب “عالم الله. “نصلي إلى الرب لكي يجعلنا نفهم ثمن حياتنا لديه؛ وأن يقوي إيماننا بالحياة الأبدية؛ وأن يجعلنا أبناء الرجاء، الذين يعملون من أجل بناء عالم منفتح على الله، رجالاً ممتلئين حبورًا، يعرفون أن يروا جمال عالم المستقبل في وسط أكدار الحياة اليومية، ويعيشون في هذه الثقة مؤمنين وراجين”.

لنصلِّ: يا مريم أمنا القديسة، نأتيكِ اليوم بأجران فارغة، قوينا لنقبل كلمة سيدنا وربنا يسوع المسيح، ليُغير حياتنا، ويجعلها ترتيلة فرحٍ وتسبيح لله الذي بارككِ ودعاكِ اليوم لتُبهجي السماءَ والأرض. آمين.