القسم الثالث: من السلام الملائكي/ صلاة الكنيسة
إعداد الأخت مارتينا
إن هذا القسم يختلف عن القسمين الأولين من صلاة “السلام عليكِ يا مريم” بعدة نواحٍ، ففي بادئ الأمر إنها صلاة أشد أُلفة تماماً مثل صلاة “الأبانا” فهي صلاة تضرّع وتوسّل، ولكن على خلاف القسمين الأولين… الكلمات الواردة في هذا القسم لم تؤخذ من الكتاب المقدس، بل أُخذت من التقليد، يتمتع هذا القسم ببساطة روحانيتهِ وعمقها:” يا قديسة مريم يا والدة الله، صلي لأجلنا نحنُ الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا” . حيثُ إننا لم نعد نتوجّه إلى مريم باسمها وحسب، بل مَنحناها صفة رائعة هي “والدة الله”. ذلك لإنها تحمل في بطنها نار حضور الله الأبدية، تلك النار التي التهبت أمام موسى في العليقة المشتعلة وملأتهُ رهبة.
إن كانت مريم البتول هي من نالت السلام من الله بواسطة الملاك، وهي من نالت أول طوبى في العهد الجديد، وهي الممتلئة من النعمة، فإذن هي قديسة وقداستها ليست قداسة طبيعية. إذ إن القداسة تتحقق بالتشبّه بالله والاتحاد به، هذا التشبّه أين نجده؟ إن المسيح الكلمة المتجسّد هو من يتشبّه بها، إذ يأخذ جسدها ويتعلّم على يديها ويتربى في جوها، وهنا الكلام على مستوى إنسانيته، حتى انه إنسانيًا يتشبّه بها، طبعاً كل ذلك بمرافقة وحضور الروح القدس، بالفعل هي صورة ابنها وهو صورة أمه، وهي المتحدة بالله بحلول الكلمة بالروح القدس. هذا الاتحاد لم ولن يكون مثله في تاريخ البشر، من هنا نُدرك مدى قداستها. ننال معونة من العذراء لأجل توبتنا والتماسنا القداسة حين نخاطبها بقولنا يا قديسة مريم يا والدة الله صلي لأجلنا نحنُ الخطأة، بهذا نعترف بأننا خطأة وأننا مائتون وتحت الدينونة، ونلتمس من العذراء أن تقوّينا في ضعفنا وتشفع فينا كيما نتوب عن خطايانا، وتهبّ إلى نجدتنا وتكون بقربنا في ساعة موتنا. من أمومتها تصدر شفاعتها، أمومتها لنا وأمومتها ليسوع، أمومتها لنا تجعلها تلاحقنا وتهتم بخلاصنا وما نحن بحاجة إليه، وهذا ما ظهر جليّاً في قانا الجليل، وأمومتها ليسوع تجعلها تطلب منه بثقة الأم والابنة القديسة. قال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته “فادي البشر” رقم 22: “حب الله يدنو منّا بواسطة هذه الأم ويتخذ بذلك علامات أكثر فهماً للبشر، وهذا الحب، وهذه الشفاعة هي شفاعة ثابتة لكل مَنْ افتداهم يسوع” (نور الأمم LG 66).
يا قديسة مريم، أي قديسة في جسدها وفي نفسها، قديسة بإخلاص فريد وأبدي في خدمة الله، قديسة بوصفكِ أماً لله الذي حباكِ بقداسة لامعة، تتلاءم مع هذهِ الكرامة اللامحدودة، “يا أم الله” التي هي أيضاً أمنا، محاميتنا ووسيطتنا، خازنة وموزعة نِعَمْ الله، امنحينا بسرعة غفران خطايانا، ومصالحتنا مع العزة الإلهية. “صلي لأجلنا نحن الخطأة”، أنتِ التي لديكِ رأفة كبرى للمساكين، لا تحتقري أو تصدّي أبداً الخطأة، الذين بدونهم لن تكوني أم المخلّص. “صلي لأجلنا الآن” خلال وقت هذهِ الحياة القصيرة، السريعة العطب والبائسة، لأنهُ ليس لدينا من شيء أكيد سوى هذهِ اللحظة الحاضرة، “الآن ونحنُ مهاجَمون ومحاطون ليلاً نهاراً من أعداء قديرين وقاسين. إن أهم موقف يأخذه الإنسان هو التواضع، فالعشّار الذي صلّى في الهيكل وتواضع وخجل أن يرفع نظره عن الأرض لأنه أدرك كم هو خاطئ، وكم هي عظيمة قداسة الله، رجع إلى بيته مبرر كما قال الرب نفسه، أكثر من الفريسي الذي يمارس الشريعة. إذن إن التواضع يضعنا مباشرة أمام حقيقتين، الحقيقة الأولى هي صغرنا، خطايانا، حقارتنا، وما إلى ذلك، بمقابل الحقيقة الثانية، حقيقة الله اللامتناهي، القدوس، الحكيم، والرحيم.
فيا مريم القديسة، يا امرأة الساعة الأخيرة، عندما سيخيم مساؤنا العظيم، وتنطفئ الشمس في حُجب الغَسق، قفي إلى جانبنا كي نقوى على مواجهة الليل. لقد خُضتِ هذهِ التجربة مع يسوع، عندما انحجبت الشمس، ساعة موتهِ، وغَشَت الأرض ظلامًا كثيفًا. فكرري هذهِ التجربة معنا تحت صليبنا، وراقبينا في ساعة الظلمات. حررينا من خوف الهوة. وحتى عندما يلفنا الكسوف بعتمتهِ، فلنرتعش رجاءً، ولتتسلل إلى نفوسنا عذوبة النوم.
لنصلِّ:: يا أمنا مريم القديسة، يا معونة المحتاجين امنحي القوة للضعفاء، عزّي الحزانى، صلّي من أجل شعب الله اعضدي الاكليروس تشفّعي بالمكرّسين، تشفّعي إلى كل من يطلب معونتكِ، ليختبر حمايتك التي لا تكل. آمين