full screen background image

تأمل اليوم السابع من الشهر المريمي

897

إعداد الأخت مارتينا

مريم تابوت العهد

إن قدرة الله ظللت مريم وجعلتها المكان الجديد لحضور الله في العالم. هذا الحضور الذي تمثّل في العهد القديم برموز عديدة منها تابوت العهد الذي ندعو به مريم في طلبتنا. فكما كان تابوت العهد علامة لحضور الرب بين شعبه هكذا كانت العذراء علامة لحضوره في بيت زكريا. إن تابوت العهد هو ذلك الصندوق الخشبي الثمين الحاوي وصايا الله. لقد كان رمزاً للعهد والاتفاق بين الله وشعبه. فإن حَفِظَ الشعب رسوم الله ووصاياه نال بركات الله الغزيرة. إن كلمات العهد كانت الرباط بين الله وشعبه إلى أن جاء المسيح، كلمة الله، فصار هو العهد الجديد الذي يربط بين الله والبشر، بين السماء والأرض. وعندما ندعو العذراء تابوت العهد نعلن أنها تحمل في حشاها صاحب العهد الجديد أي يسوع المسيح. أمام تابوت العهد كان الشعب يرقص فرحاً ويطلق الهتافات احتفاءً بالرب الحاضر وسط شعبه. وهكذا فعلت اليصابات أمام مريم: “من أين لي أن تأتيني أمّ ربي؟” إن اليصابات تمثل الشعب الجديد الذي يستقبل ربّه استقبال فرح وبهجة ويُعلن إيمانه بوجود الرب وحضوره في العالم. ومريم هي مركز السكن الإلهي، تابوت العهد، الإناء المختار والإناء المكرّم وإناء العبادة الجليلة كما ندعوها في الطلبة.

كان تابوت العهد في العهد القديم هو الممثل الأول على حضور العلي بين شعبهِ، والويل لكل إنسان نجس يدنو منهُ أو يمسهُ، لأن لعنة الله حتماً ستطالهُ، فتكون مريم العذراء هي “تابوت العهد” المقدس الذي حمل الوصايا، أعني كلمة الله التي أصبحت حية، متجسّدة. “الكلمة صار جسداً وحل بيننا فرأينا مجدهُ” (يوحنا 1: 14)، لم تعد محفورة على ألواح حجرية موضوعة في صندوق خشبي مذهّب، بل سكنتْ بطبيعتها الإلهية الكاملة، متخذة طبيعة بشرية كاملة، وساكنة في أحشاء مريم. فإذا كان الله قد أمر موسى بأن يكون صندوقهُ الخشبي مُلبّساً بالذهب الخالص، فأي معدن سيختار لمسكن كلمتهِ المتجسدة في تابوت جديد هو “مريم”، وإذا كان الذهب يرمز إلى عالم القداسة، قداسة الله ومجدهِ، فسيكون تابوتُهُ الجديد الذي ستسكن فيهِ كلمتهِ الحية، ليس ذهباً خالصاً بل إنسانة قديسة، خالصة بمعنى أنها بريئة من العيب والخطيئة، وهذهِ هي أسمى درجات القداسة. مريم هي تابوت العهد الجديد الذي حمل الكلمة التي بها كُوّن كلُ شيء مما كُوّن (يوحنا1: 3)، هي التابوت المعزّي والمشجع والمقوّي والمنتصر على أعداء الله، ومن يمسهُ يموت موتاً روحياً، لأنها تابوت مُقدسٌ لله. مريم هي مسكن الله لأن يسوع حقيقة ابن الله، ونتيجة هذا أن مسكن الله هو سكنى المجد بالذات الذي يملأهُ، مريم هي ابنة صهيون وعذراء إسرائيل ومسكن الله وتابوت العهد. هذهِ الألقاب كلها تتطابق لتعني أن مريم هي المكان الذي تتم فيهِ الزيارة، زيارة الله النهائية والأخيرة لشعبهِ.

إن مريم، موجز الكنيسة وابنة صهيون ومسكن الله، يوم التجسّد تستعيد مكانها وسط الشعب. وبعد أن كانت تابوت العهد تحمل في أحشائها ابن الله، صارت عضواً في جسد الابن السري وجسد الكنيسة، ومسكن الله الذي تحملهُ روحياً في قلبها. فالهيكل الجديد إذاً هو الكنيسة الجامعة جسد المسيح الممجّد الحال فيها الروح القدس. وتصبح الكنيسة بعد مريم مسكن الله بالروح مثلها “فمجّدوا الله في أجسادكم” (1كور: 6: 20)، وتمجيد الله في الجسد يعني أن المسيحي يُدرك سكنى الروح القدس في هيكلهِ وسكنى المجد في جسد المسيحي المقدس، وهكذا تبقى مريم أم الله، التي حملت جسد المسيح الطبيعي، ومسكن الله وتابوت العهد، رمزاً لأمومة الكنيسة.  

يقول القديس كيرلس الإسكندري في مريم: “أُحييك يا مريم أُمُّ الله، العذراء الأم التي حملت النور الكليّة الطُهر، يا من دخل الملك مدينتهُ أي حشاكِ، وخرج منهُ عندما شاء، وظل بابهُ موصداً، أحييك يا مريم، أيها الهيكل المضياف، الهيكل المقدس، يا كنز الأرض يا مسكن من لا يقوى على احتوائهِ، يا من حملت كلمة الله الوحيد”.

لنصلِ: يا مريم أمنا البهية، أيها الجمال التام، أيتها البهية بهاءً يفوق بهاء أجمل بني البشر، يا مسكن الله المقدس، أمنا الحبيبة، ساعدينا لنتواضع ونفتح قلبنا لله عندما نكون وحيدين كي يسكن فينا ويعزينا آمين.