full screen background image

تأمل اليوم التاسع والعشرون من الشهر المريمي

808

مريم مثالنا في التواضع

إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح

فهمَتْ مريم جيّداً ما هي إرادة الله، وكيف أنّ أُمومتها ستتوافق وبُتوليّتها، فخضعتْ وقالت: “ها أنا أَمَة الرب، فليكن لي بحسب قولك” (لو1\38). وبهذه الكلمة جعلت نفسها للخدمة، كما سيفعل يوماً ابنها يسوع القائل: “أتيتُ لأَخدِم” هو الأول والأمثل، هو (الأول والآخر) (رؤ1\17)، سوف يكون العبد الأمثل (أشعيا 53) الذي أتى “لا ليُخدَم بل ليَخدِم” (مر 10\45). مريم هي، بعده، الأمَة المُثلى والأكثر مسؤوليّةً في البشر أجمعين. تلك المسؤولية سوف تتطوّر وتنمو إلى أن تصبح أمومةً روحيةً شاملة. مريم هي بنت صهيون. وهي الممتلئة نعمة، والكّليّة الطهارة، والعذراء أمّ الله، وتابوت العهد الجديد، وهيكل الروح القدس. هذا هو الاختيار الذي وقع عليها. هذه هي دعوتها. هذه هي منزلتها في التدبير الإلهيّ. لكنّها تأبى إلاّ أن تكون أمَةَ الرب المتواضعة والخاضعة.

يقول القديس أوغسطينوس: “لا توجد فضيلة أصعب ممارسة من التواضع لفساد طبيعتنا بسبب الخطيئة، ولكننا لا نكون أبناء مريم حقاً إن لم نكن متواضعين مثلها، لأنها تنبذ المتكبرين وترفع المتواضعين”. لنطلب من العذراء مريم نعمة التواضع الحقيقي لكي نصبح أبناءها فعلاً وحقاً. نطلب نعمة التواضع ونركز عليها حيث شددّ الآباء القديسون بقولهم: “أن التواضع حجر الأساس للفضائل كلها. فمن دونه لا يمكن أن توجد فضيلة حقيقيّة في نفس الإنسان وإذا امتلك الإنسان التواضع، فهذا يعني أنه امتلك كل الفضائل. والعذراء كانت تعرف نفسها جيداً وأوضحت لنا بقولها ” لأنه نظر إلى تواضع أَمَته”.

لقد وصفت مريم بأنها الكلية القداسة لأنها مارست كل الفضائل بمستوى فائق من الكمال، غِنى شخصيتها يتجلى من خلال تنوع خصالها وتباينها، وجمعها للمتناقضات. فهي أسمى المخلوقات، وأكثرها بساطة وفي الآن عينهِ تُنهض خير نموذج يُقتدى بهِ. إنها الأقرب إلى البشر لإنها الأقرب إلى الله، إنها الأَمَة والملكة، أم الله، وأكثر الخلائق تواضعاً. بساطتها لا متناهية، وغِناها بلا حدود إنها الأكثر سمواً، والأكثرُ إمحاءً. لا شيء فيها يندرج في مقياس الكمية، بل كل شيءٍ فيها كثافةٌ وتميزٌ. ومع ذلك، حياتها من البساطة بحيث يسع كل مؤمنٍ الاقتداء بها. اتصفت مريم بفضائل عادية، ولكنها ارتقت بها إلى مراتب الكمال. وغدت نموذجاً للمرأة التي حققت مصيرها، للخليقة التي حظيت برضى الرب، الخليقة المتصالحة مع خالقها، ومع ذاتها، ومع الآخرين، لأنها شاخصة بكليتها صوب الرب ومكرسة لهُ.

إن من أهم الفضائل التي اتصفت بها والدتنا العذراء القديسة هي بلا مراءٍ، تواضعها السحيق، الصادق. فالتواضع هو أساس كل الفضائل، ومن افتقر إلى التواضع، افتقر إلى الفضائل كلها يسوع المسيح قال: “تعلّموا مني، فإني وديعٌ ومتواضع القلب”. وهل تعلّم أحدٌ من يسوع، وتمثّل بهِ أكثر من أُمهِ؟ عندما بشّرها الملاك بأنها ستصبح أُم المخلّص، لم يوحِ لها هذا الامتياز الفريد في تاريخ البشر بأي زهوٍ، أو عجب بالذات، بل أعلنت أنها “أمَة الرب”، أي عبدتهُ وبرهنت عن تواضعٍ عميق أمام عظمة الله الذي شَكرتهُ وسبّحتهُ، لأنهُ رمقها بنظرة إيثار، واقتصر اهتمامها على تنفيذ مشيئة الله. ولم تحتج مريم كيما تبرهن عن سحيق تواضعها، إلى صدّ أية نزعة عجب أو كبرياء، فالتواضع وطيد الأركان في فطرتها. ولطالما آمنت وأقرت أنها في ذاتها ليست بشيء، ولا تستطيع شيئاً بمعزل عن النعمة الإلهية.

لنصلِّ: يا أمنا مريم القديسة ملكة السماء والأرض العظيمة وسلطانة الملائكة، أنت التي نالت من الله القدرة والرسالة لسحق رأس الشيطان، نلتمس منك باتضاع أن ترسلي الأجواق السماوية لكي بإمرتك وبقدرتك، تطارد الأرواح الشريرة وتحاربها في كل مكان، وتقمع وقاحتها وتهزمها إلى الهاوية، كسّري قيود الخبثاء، أنيري عقول الخطأة، أبعدي عنّا الشرور التي تدركنا من جميع الجهات. آمين