full screen background image

اليوم الثاني والعشرون من الشهر المريمي

779

تحت ذيل حمايتُكِ

إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح

أودع الله كنيسته إلى والدته الطّاهرة لقيادة شعبه نحو الخلاص، فلجأ إليها المؤمنون في أفراحهم وأتراحهم ضارعين إليها لتشفع لهم عند ابنها يسوع، وتراهم يكرّمونها طيلة السّنة وبالأخصّ في الشّهر المريميّ في صلوات وزيّاحات يوميّة، إذ تُتلا خلالها مسبحة الورديّة وتُختم بطلبة تُبرز فضائل العذراء. وتعتبر صلاة تحت ذيل حمايتكِ من أقدم الصلوات الخاصة بمريم العذراء، إذ إنها ترقى إلى منتصف القرن الثالث، وهي تعبر بكلمات بسيطة عن مشاعر الحب واللجوء البنوي إلى البتول القديسة. لقد استلهم مؤلفها مطلع الصلاة من المزمور السادس عشر حيث تقول الآية: “وبظل جناحيك استرني”. وهكذا فإن مريم تبسط جناحيها أي ذراعيها كملجأ أمين يهرع إليه المؤمنون في ساعات الشدة والخطر فيجدون فيه ملاذا أميناً، وعونا قوياً، وحنانا والدياً. إن هذه الصلاة تذكرنا بعهود الاضطهادات التي شنتها الوثنية على الكنيسة الناشئة، عندما استشهد عدد كبير من المسيحيين لتمسكهم بعقيدتهم وولائهم للمسيح. ففي ساعاتهم الأخيرة والموت يحدق بهم كانوا يرفعون الحاظهم وقلوبهم إلى مريم يطلبون عونها لئلا يفقدوا شجاعتهم ويخونوا ربهم.

إن مهمة مريم العذراء كأم نحو البشر لا تحجب ولا تنقص البتة من وساطة المسيح الذي قال فيه مار بولس انه “الوسيط الوحيد بين الله والبشر” (اتيموثاوس 2: 5 _ 6). بل بعكس ذلك تظهر قوة تلك الوساطة. فكل تأثير خلاصي للعذراء في البشر لا يصدر عن ضرورة ما. بل من رغبة في ذلك وعن فيض استحقاقات المسيح. إن الله اختار مريم واصطفاها منذ الأزل أماً ليسوع. وهي إذ اشتركت اشتراكاً فعلياً إرادياً بكل مراحل حياة ابنها منذ ولادته حتى الآمه وذبيحته على الصليب، فانطلاقا من هذا الاشتراك الفعلي الإيجابي خاصة في ساعة الفداء إذ قبلت بتضحية ابنها من أجل البشر، تعلم الكنيسة إنها أصبحت وسيطة الخيرات السماوية للمؤمنين. ولهذا تحث الكنيسة أيضاً على الالتجاء إلى مريم وطلب شفاعتها التي لا ترد. وبهذا المعنى يقول القديس برنردس: “امتلأت مريم نعمة لنفسها، ثم طفحت خيراتها وهطلت علينا بغزارة”.  كما يقول القديس مار أفرام: “إن مريم العذراء شفيعة المستوجبين الهلاك، هي مفتاح أورشليم السماوية وهي المشتركة في تحقيق المقاصد الإلهية الخفية، والمساهمة في افتداء البشر وخلاصهم الأبدي”

يقول البابا فرنسيس إننا نلتجئ إلى حماية والدة الله. لأن آباءنا في الإيمان علمونا أنَّه ينبغي علينا في الأوقات الصعبة أن نجتمع تحت حماية أمِّ الله القديسة. حتى الرهبان القدامى كانوا ينصحون عند المحن بالالتجاء إلى حماية أمِّ الله القديسة، لا بل أن التوسُّل إليها، “يا والدة الله القديسة” هو ضمانة حماية ومساعدة. هذه الحكمة تساعدنا إنها الأم تحرس الإيمان وتحمي العلاقات وتخلِّص في الصعوبات وتحفظ من الشر. حيث تكون الأُم لا يدخل الشيطان، حيث تكون الأُم لا يسيطر القلق ولا يغلب الخوف. لا تغفلي عن طلباتنا. عندما نتوسَّلُ إليها، تتوسَّل مريم بدورها من أجلنا. هناك لقب جميل باللغة اليونانيّة “غريغوروسا” والذي يعني “تلك التي تتشفّع بسرعة” ولا تُبطئ، هكذا تتصرّف في كلِّ مرّة نتوسل فيها إليها. عندما ينقصنا الرجاء، وعندما ينفذ الفرح وتخور القوى وعندما يظلم نجم الحياة، تتدخّل الأم ولا تغفل أبدًا عن صلواتنا. إنّها أُم ولا تخجل بنا أبدًا، لا بل تترقّب لكي تتمكّن من مساعدة أبنائها. لكي تنجينا دائمًا من جميع المخاطر. إنَّ الرب يعرف أننا بحاجة للملجأ والحماية وسط العديد من المخاطر، لذلك قال على الصليب للتلميذ الحبيب ولكلِّ تلميذ: “هذه أُمُّكَ!” وبالتالي فالأم ليست خيارًا بل هي وصيّة المسيح، ونحن بحاجة إليها كما يحتاج المسافر للراحة والطفل لأن يُحمل. إنّه لخطر كبير للإيمان أن نعيش بدون أُم، بدون حماية، فيما نسمح للحياة أن تحملنا كما يحمل الهواء أوراق الشجر. الرب يعرف هذا الأمر ويطلب منا أن نستقبل الأم، وأن نحبّها لا كشِعْر بل كأسلوب حياة، لأنّه بدون الأُم لا يمكننا أن نكون أبناء؛ ونحن قبل كلِّ شيء أبناء محبوبون، لديهم الله كأب والعذراء كأم. كذلك يعلّمنا المجمع الفاتيكاني الثاني أن مريم هي علامة رجاء وتعزية لشعب الله الذي يحج على الأرض. إنها العلامة التي وضعها الله لنا، وإن لم نتبعها نخرج عن الطريق. هي تدلُّنا نحن الذين “لم يُكملوا غربتهم، ولا يزالون عرضةً للمخاطر والضيقات” (نور الأمم، عدد 62). مَن أفضل منها يمكنه أن يرافقنا في المسيرة؟ فماذا ننتظر إذًا؟ كما استقبلها التلميذ في بيته، هكذا نحن أيضًا، لندعو مريم من هذا البيت الوالدي إلى بيوتنا. لنجعل الأم ضيفًا في حياتنا اليوميّة، وحضورًا دائمًا في بيتنا، وملجأ أمينًا لنا. ولا ننسينَّ أبدًا أن نعود إليها لنشكرها.

لنصلِّ: أيتها العذراء الطاهرة الفائقة القداسة، يا معونة المسيحيين، إننا نضع ذواتنا تحت حمايتك الوالدية. فأنت وعبر تاريخ الكنيسة كلّه ساعدتِ المسيحيين في أوقات التجارب، المحن، والأخطار. أثبتِّ مرّة بعد أخرى أنّك ملجأ الخطأة، رجاء من لا رجاء لهم، معزية الحزانى، ومعينة المنازعين المشرفين على الموت. نعدُكِ أن نكون تلاميذ أوفياء ليسوع المسيح ابنك، أن نعلن بشراه السارة عن حب الله لكلّ البشر، وأن نعمل من أجل السلام والعدل في عالمنا، ساعدينا وأحباءنا أن نبلُغ الفرح اللامتناهي بأن نكون مع أبينا في السماء للأبد. آمين.