full screen background image

تأمل اليوم الثالث والعشرون من الشهر المريمي

1065

مريم تحت أقدام الصليب

إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح

فيما كان يسوع يقاسي أقسى الآلام وهو على الصليب، كانت عيناه تبحثان عن صديق، فلم يلق سوى أعداء مستهزئين… ساخرين. فأمال رأسه وأحط بنظرة ارتياح إلى أمه، والى تلميذه الأمين يوحنا. فأراد أن يوصي بأمه خيراً. إذ ليس لها أولاد غيره يتدبرون أمرها من بعد رحيله، وليس أحب إلى قلبه من تلميذه الشجاع الذي رافقه إلى الجلجلة غير هيّاب. عندئذٍ والحب غمرة في عينيه، والعذوبة في صوته، أعلن وصيته الأخيرة وعظيم حبه للإنسانية التي بذل نفسه عنها بأن منحها ممثلة بشخص تلميذه يوحنا والدته أماً تواصل بعده بشفاعتها عمل الفداء، تسأل الله الرأفة بهم في أيام المحن، وتستمد لهم من لدنه النعم والخيرات. فقال لمريم مشيراً إلى يوحنا: “يا امرأة هوذا ابنك” والتفت إلى يوحنا وقال: “هذه أمك” (يوحنا 19: 26 _ 27). لقد استودع أمه بشخص يوحنا جميع المؤمنين، وارتضت مريم منذ تلك الساعة أن تتبنى الإنسانية جمعاء بشخص الرسول الحبيب. تبعت مريم يسوع حتى الصليب. لم تخف من مشهد الألم، لم تصرخ ولا التفتت إلى ذاتها. كانت تنظر إليه وكانت تؤمن بأن القيامة قريبة، تذكّرت وهي تنظر إليه معلقاً ما قاله يوماً لتلاميذه: “من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني”(لو9/23)، تُعلمنا مريم وهي واقفة عند أقدام الصليب، أن ننسى ذاتنا وننظر بصفاء إلى أخوتنا البشر، ونفهم ألم الآخر ونتعاطف معه. لقد قاسمت يسوع ألمه وشاركته صليبه، هكذا يفعل من يحب، يتألم مع المتألمين، يفهم آلامهم، يرأف بهم ويحنو عليهم. إنها دعوتنا المسيحية، عندما كان يسوع يقع تحت الصليب كانت أمه تُسرع إليه، تقبّله وتُنهضه هي وسائر النسوة، وعندما كان يتألم… يتعزى بقبلاتها، وعندما كان ينزف… كانت تمسح دمه. هكذا هي العذراء، تحمل معنا صليبنا، تمسح دموعنا، تُنهضنا عندما نضعف وتدعونا إلى التوبة وإلى طلب الغفران من يسوع. قال يسوع للرسول يوحنا وهو على الصليب: “هذه أمك” ولمريم: “هذا ابنك”. بهذه الكلمات طلب يسوع من مريم أن تشمل أمومتها كل المسيحيين.

إن يسوع بصفتهِ مسؤولاً عن عائلة صغيرة، يفكر في مريم أمهِ في ساعة موتهِ، فيسلّمها بلطف إلى التلميذ الحبيب، وهو الشخص الذي يستحق حبه الخاص. وهذا ما يعملهُ كل شخص وهو على فراش الموت ويسوع يقوم بهِ وهو على خشبة الصليب. ولكن بالإضافة إلى الحنان والمشاعر التي علينا ألا نتجاهلها، يعطينا هذا العمل معنى يهم تاريخ الخلاص كلهُ. إنجيل يوحنا يقول إن أمهُ كانت هناك عند صليب يسوع. وبعد ذلك يتكلم النص بشكل بسيط عن الأم، حيثُ يدعوها الابن “امرأة”. وهذا يدل كيف تسمو العلاقات العائلية الخصوصية لترفعنا إلى أبعاد غير متوقعة، فمريم المرأة تأخذ مكان الأمومة الروحية في العائلة الجديدة الشاملة، التي فيها الله هو الآب، والمسيح هو الابن. هذهِ العائلة بحاجة إلى أن تكون منفصلة عن التأثيرات البشرية. ومن المعروف أن يوحنا يمثلنا كلنا. فالكلمة إذن توجهت إلى الكل: “هي ذي أمك” أمامنا المرأة حواء الجديدة، أم الأحياء، العلامة الكبيرة للمرأة في سفر الرؤيا. نحب هذهِ الأم لأنها حبلت بنا في ألم المخاض أمام الصليب المحيي. أمومة مريم الروحية توحّدنا وتضمّنا إلى الخلاص المتجسّد بيسوع. هي أم الكنيسة، علينا أن نكرّمها، وقد تعهدنا أن نعيش التضامن الخلاصي محتملين بعضنا بعضاً كإخوة، مصلين ومتأملين في الوحدة مع الكل في حب الله. لقد أعطانا يسوع أكبر نعمة وهي أن نكون أبناء وبنات العذراء، صارت العذراء أم الكنيسة وأم كل واحد منا. لقد أحبنا فأعطانا أمّاً وطلب منا أن نتخذها مثالاً لنا.

لنصلِّ: يا مريم أمنا القديسة، إن صليب ابنُكِ حياتُنا نريدُ أن نمضي حياتنا بالقرب منكِ، يا أمّنا، لنقف بجانبك في وحدتك وحزنك العميق، نريد أن نشعر بروحنا بحزن عينيك، والشعور بالخذلان الذي يضطرم في قلبك. في مسيرتي في هذه الحياة. استمدي لنا، بواسطة دم ابنك الثمين، غفران خطايانا، خلاص نفوسنا، استمدي للكنيسة المقدسة الانتصار على أعدائها وانتشار ملكوت المسيح في العالم أجمع. آمين (الطوباوي ميغويل أوغسطين اليسوعيّ)