full screen background image

“إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم وعلّموهم أن يعملوا بكل ما أوصيتكم به” (متى 28 : 19)

982

إلهام عبد الأحد متي 

        عندما طَلبت الأخت الغالية الدكتورة ماسير حنان إيشوع أن اكتب خبرة حياتي في مجال التعليم المسيحي، شعرتُ بفخر وفرح كبيرين، بنفس الوقت إن دلَّ على شيء يدل على وجود شخص له أهميته ومكانته مثل ماسير حنان كونها تمثّل قدوتنا في مجال خبرتها بالتعليم المسيحي، فنحن نستقي منها ومن تعليمها ومؤلفاتها بهذا المجال ما يغذي معلوماتنا من خبرات ونِعَم، وأيضًا اهتمامها وتشجيعها لي كي أتواصل وأعطي أكثر وأكثر من النِعَم التي يمنحها المعلم الأول ربنا يسوع المسيح والروح القدس لإنماء مواهبنا وعطائنا.

        بدأتُ مشواري عندما طَلب سيدنا روبرت الذي كان في حينها راعي كنيسة انتقال مريم العذراء في المنصور، وكنا في اجتماع أخويتنا أراد خمس عناصر من أعمارنا للإنتماء للتعليم. كنت مترددة في البداية خوفًا من أن لم أكن أهلاً لهذه المسؤولية. بعدها بفترة جاءت مسؤولة التعليم المسيحي وبالإيعاز أيضًا من سيدنا روبرت وكنت حينها خارجة من القداس الإلهي وأنا بالقرب من باب الكنيسة سألتني: أتقبلين أن تكوني معلمة تعليم مسيحي؟ فنحن بحاجة الى أناسٍ مثلك.

 أنا وبدون تردد مباشرة أجبتها مباشرةً: نعم أقبل. بفرحة داخلية في قلبي وهبها الرّب لي بقوة ودعوة الروح القدس، إنها مهمة ومسؤولية اعتبرها عظيمة لإيصال رسالة معلمنا الأول ربنا يسوع المسيح الى كوكبة من التلاميذ هم جيل المستقبل، لينقلوا بدورهم البشارة الى الأجيال القادمة.

        اعتبر التعليم المسيحي أهم خدمة تُقَدَم للكنيسة لأن موضوعه الأول والأساسي تقديم سرّ المسيح والكشف عن شخص المسيح الذي هو الكلمة المتأنّس وابن الله، كذلك تلقين الإيمان للأطفال والأجيال لكي يعرف الطفل متطلبات إيمانه وعقيدته وليعرف ان الله محبة.

“أنا نور العالم. من يتبعني لا يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة” يوحنا (8 : 12).

        بهذا انتميت لكادر للتعليم المسيحي وبدأتُ بتلقين التعليم للمرحلة الابتدائية للصفوف (الأول، الثاني، الثالث) كمسؤولة المرحلة. لا أُخفي عليكم انها مهمة كبيرة وفرحة حلوة في حياتنا، وخاصةً للشخص الجاد والحريص والمؤمن، فيكون عنده خوف من عدم توصيل كلمة الحياة للتلميذ أو ألا يكون الأسلوب الخاص بالتعليم أن يكون بطريقة أو غير مؤثرة أو مفهومة للتلميذ حتى تدخل الى قلبه ويستقبلها بكل حبٍ وفرح. لكن بنفس الوقت عندما بدأتُ بطرح المواضيع وشرح الدروس أو تقديم النشاط المخصص أحسستُ ان قوة الروح القدس تعمل، وتُخرِج الخزين في داخلي من كلمة الحياة كي أوصلها للتلميذ بطريقة مبسطة، ليستقبل الكلمة ويفهم وهو بهذه المرحلة العمرية من هو المسيح، وماذا يعني له وما هي العلاقة الروحية بين المسيح وأبيه. لذا على المعلم أن يبذل قصارى جهده كي يجعل التلميذ يخرج من الدرس وهو حامل في فكره شيء مما دَرَسه ويعود (به) للمنزل، وعند سؤاله من قِبل الأهل كي يعرف ما يجيب (بماذا يجيب) عن الدرس الذي تلقاه اليوم. هكذا أُؤكّد على التلاميذ إذا لم يسألكم بابا وماما أنتم قولوا لهم أنا اليوم أخذتُ الموضوع الفلاني في الدرس. هكذا أرى في عيون وضحكة الطفال وفرحتهم لسماع قصص وأمثال وصلوات وتراتيل أي كلمة الحياة، وتعاطفهم معنا أيضًا من خلال أسئلتهم رغم صغر أعمارهم.  يفهم التلميذ من حب الأب لأولاده إنه هكذا يحب الله جميع الناس، وتستمر علاقته معنا من خلال الصلاة. حيث نزرع في نفس التلميذ ان الرّب يسوع يحب جميع الناس وبالأخص الأطفال، لأنهم بسطاء وأنقياء القلوب وأبرياء.

         شعرتُ من خلال استمراري يوم في التدريس أن الخوف يتلاشى، أما قوة الإيمان الذي بداخلي مع صباح كل جمعة قبل خروجي أطلب من الرّب يسوع أن يزيدني حكمة ومعرفة، ويرشدني ويساعدني لنقل كلمته والمعلومة بالشكل المناسب والدقيق، وبكل ثقة ليفهم التلميذ معنى رسالته.

        هذا الدعاء جعل هذا الخوف يتلاشى تدريجيًا عندما أصل للصف وأبدأ بإعطاء الدرس، أشعر ان قوة الروح القدس تعمل بداخلي لنقل المعلومات باسلوب يسهل على الطالب فهمه وتلقيه. فأندمج وأجالسهم وأصل لمستواهم الفكري.

        ومن الأشياء التي ساعدتني في هذه المرحلة أيضًا وفي زيادة خبراتي وقد تأثرتُ بها جدًا هو تخرجي من معهد التثقيف المسيحي، وكنت الأولى في المرحلة الثانية والثالثة أما النتيجة النهائية لثلاث سنوات فكانت الثانية على المعهد.

 ان المعلومات التي تلقيتها أفادتني كثيرًا من ناحية التعليم المسيحي وخاصة مادة (أساليب التعليم المسيحي) وكانت الأخت ماسير حنان مدرّسة المادة، حيث استفدتُ كثيرًا من تعاملها معنا كي نفهم أسلوب وطريقة التعليم الصحيح لنقله لأجيالنا. طَلَبت منا أن نعمل تقرير عن أحد المواضيع من الكتاب المقدس وبيان الاسلوب الخاص كلٌ حسب مرحلته. هذا ما ساعدني كثيرًا في زيادة خبرتي لأسلوب وطرق التعليم، ومناقشتها لي بالموضوع. كنت متأثرة بمحاضرتها وأسلوبها الراقي عند شرح الدروس لنا للاستفادة من هذه الخبرة في نقل الكلمة والتربية عن الإيمان بصورة واضحة.

“الروح هو الذي يحيي، وأما الجسد فلا نفع منه، والكلام الذي كلمتكم به هو روح وحياة” (يوحنا 6 : 63).

        إذن عليَّ كمعلمة للتعليم المسيحي أن أعرف كيف أنقل رسالة المعلم الأول الى التلميذ وكيف تدخل الكلمة لفكره ويفهم ان يسوع المسيح هو محور رسالتنا في التعليم المسيحي، لأن الطفل في هذا العمر يكون صعب لتلقي المعلومة كونه عمر حساس. لهذا أشعر بهذه المرحلة عند إلقائي الدرس كأني أعود وأصبح طفلة مثلهم لنقل المعلومة بصدق وتواضع وبساطة وأمانة ليصبح قلبي نقي مثلهم.

“إياكم أن تحتقروا أحد من هؤلاء الصغار، إن ملائكتهم في السماوات يشاهدون كل حين وجه أبي الذي في السماوات” (متى 18 : 10).

حيث يبين الرّب يسوع محبته للأطفال ومكانتهم من خلال تعليمه عندما جعلهم مثل الآخرين.

بتعاملي مع هذه الفئة العمرية أشعر بارتياح لملاحظتي تعابير وجوههم وحركاتهم البريئة وإجاباتهم على الأسئلة والعبارات التي تخرج من قلوبهم بكل صدق وبراءة لمحبتهم ليسوع، هذا يسعدني ويشجعني أكثر في احتضانهم.

        من الأمور المهمة في زيادة خبرتي هي مشاركتي عام 2015 في دورة التناول الأول لمجموعة من الطلبة وكان عددهم ما يقارب (35) متناول في كنيسة انتقال مريم العذراء في المنصور، إضافة الى مشاركة كنائس أخرى هي (حافظة الزروع في البياع، مار يوحنا في الدورة، والرسولين ماربطرس وبولس في الميكانيك). كانت هذه الدورة مهمة في حياتي لكون دروس التعليم ستُعطى من قبل الأخت الدكتورة ماسير حنان إيشوع بأسلوبها الراقي وإبداعها في إيصال المعلومة الى مستوى الطالب رغم تلقي الصعوبات والتعب، لأن بعض الطلبة لا يمتلكون معلومات كافية وهذا يجعلنا أحيانًا نبذل جهد كبير لإيصال الفهم للطالب. هكذا كانت ماسير حنان رغم تعبها لكنها كانت فرحانة (سعيدة) بهم، وأنا بنفس الوقت كنت مهتمة بأسلوبها وخاصة عندما طلبت مني أن أعطي بعض الفقرات التي تخص صلوات التناول للطلاب، كان هذا فخرًا لي.

        في إحدى المحاضرات طَلبت مني أن أعطي المحاضرة أنا بدلاً عنها لطلاب التناول، شعرتُ بداخلي بثقتها لي وهذا شرف وفخر لي أن أقوم بذلك أمامها. وهذا الشعور الذي كان بداخلي شجعني في مجال خبراتي وتعليمي لطلابي.

        ابتعدتُ عن التعليم فترة أقل من سنة بسبب سفري لكن خلال هذه الفترة كنت أُحس بداخلي بشيء ينقصني لتعلّقي بالأولاد، ومحبتي للتواصل لنقل رسالة ربنا يسوع المسيح، وعند عودتي من السفر طلب سيدنا روبرت مني العودة فورًا للتعليم فقبلت ذلك بكل محبة. عدت الى نفس المرحلة الابتدائية لكن الصفوف (الأول والثاني) أيضًا كمسؤولة على المرحلة. رجعتُ بحيوية أكبر لفرحتي بهم. ما أحلاهم وأحلى ضحكاتهم البريئة ونشاطهم.

        خلال فترة التعليم بالتأكيد قد تواجهنا صعوبات أو إحباطات لموقف ما، لكن برأيي ان المعلم المتسلّح بالإيمان أولاً والثقة بالنفس ثانيًا كذلك الصبر ونقاوة القلب لا يجعل الهفوات والثغرات تقف أمام طريقه كونه متسلّح بقوة إيمانه وبربنا يسوع المسيح، حتى يتجاوز أزماته للإستمرار بنقل رسالته ويكون قدوة للآخرين في نقل كلمة الحياة الأبدية.

“الرّب راعيَّ فلا يعوزني شيء في مروجٍ خضرٍ يريحني” (مزمور 23).

        هناك عامل مهم يُضاف لخبرتي بالتعليم وهو روح التفاهم والتعاون مع مسؤولة التعليم ومعلمي التعليم كافة بصورة عامة، ومعلمي مرحلتي بصورة خاصة وهم استاذ فادي رمّو وست نور براء. المحور اللي يعكس اسلوبنا وطريقة تعاملنا مع التلاميذ كي نكون قدوة لهم من خلال عكس نشاطنا معًا بكل محبة. فنشاطنا معًا بكل محبة، وبروح التفاهم والتعاون سينعكس على أسلوبنا وطريقة تعاملنا مع التلاميذ كي نكون قدوة حسنة لهم.

        إذن من خلال إطّلاعي لمواضيع كثيرة وقراءة كتب مختلفة وقراءتي المستمرة للكتاب المقدس ومشاركتي بدورات التعليم المسيحي، ودورة (إعداد كوادر للمخيمات الصيفية)، ولقاءنا بكادر تعليم آخر في المجالات أعلاه ومناسبات أخرى وتبادل الآراء والمعلومات، هذا يجعل أواصر التواصل والعلاقة بين المعلمين أقوى. ويزيد خبرتنا ويقوي معنوياتنا لننمو فكريًا وروحيًا.

        أيضًا من وجهة نظري ان اللجنة العليا للتعليم المسيحي/ لجنة بغداد المسؤولة عن كادر التعليم في كافة الكنائس وفعاليتها، لها دور في تعزيز أواصر العلاقة بين المعلمين والطلاب والآباء والراهبات لطرح أفكارهم ومشاكلهم والأخذ بموجبها.

        هناك عامل مهم بحياتي هو الروح القدس الذي يحرك ما بداخلنا، ويشتغل ليُخرج الخزين من المعلومات لنقلها للتلميذ ليعرف من هو يسوع المسيح في مراحل تكوين حياته المختلفة من (الميلاد، المعمودية، القيامة) الى آخره. هذه الصورة اللطيفة في داخلهم ستترسخ في فكرهم عن الله خالقهم وربهم يسوع المسيح وكيف هو انه صديق للأطفال.

        بالتأكيد هناك هفوات أو أخطاء أثناء المسيرة لكن علينا نعمل بكل جهد كي نتجاوز هذه الهفوات في حياتنا ليستفادوا تلاميذنا من رسالة السيد المسيح ومعلمنا الأول والأعظم لما هو مفيد لإنماء فكرهم وقدراتهم. ويبقى معلمنا الأول هو الكامل والصادق في حياتنا ونحن نعمل بإرادته لنشر تعليمه ونكون خدام كلمة الله لأن رسالتنا هي دعوة وليست عمل، فعندما نلتقي بالتلاميذ ونقودهم للقاء يسوع من خلال الكلمة والحياة والشهادة، باسلوب مبسّط ومتواضع يساعدهم على فهم ما يتلقاه ليبقى خزين في فكره وقلبه كغذاء روحي بنعمة من الله.

        أرى من خبرة حياتي خلال فترة تعليمي ان التعليم المسيحي ليس فقط درس يُعطى كيفما كان وإنما هو مزيج من خبراتنا وتواصلنا مع كلمة الحياة الأبدية وشهادة إيماننا وكيف نوصلها للتلميذ للقاء المسيح.

“طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله” (يوحنا 4 : 34)

مع فائق الشكر والتقدير