full screen background image

اليوم السابع: مريم كاتدرائية الصمت

134

الاخت مارتينا

تأمل

وكانت مريم “تحفظ جميع هذهِ الأمور متفكرة بها في قلبها” (لوقا2: 19)، الصمت هو أحد الصفات الأساسية لوالدة الإله التلميذة الأولى لابنها يسوع، التي تحفظ في كنز قلبها الأمومي كل أسرار ابن الله. يقول البابا فرنسيس في إحدى عظاتهِ: “أفكر في عدد المرات التي صمتت فيها مريم العذراء، وكم مرة لم تقل ما شعرت بهِ من أجل الحفاظ على سر علاقتها بابنها”، ويقول البابا بولس السادس: “الصمت يحرس السر”. دعونا نفكر في صمت السيدة العذراء عند أقدام الصليب، وفي ما كان يدور في ذهنها. لقد تعب المجتمع والعالم اليوم من الضجيج والصخب الذي يملأ حياتهم، فالصمت هو الحقيقة والطريقة الأسمى لسماع صوت الله في أنفسنا وفي الآخرين. تخبرنا عذراء الصمت أن نتوقف عن زوبعة الكلمات والنشاط، وتقترح صمتاً مليئاً بالعشق والرهبة. مريم العذراء هي كاتدرائية الصمت حيث تدوي الكلمة الأبدية. سيدة الصمت هي الترياق ضد الضجيج والثرثرة العديمة الفائدة. الصمت إذن يجعلنا نرى الحقائق عن أنفسنا والآخرين يجعلنا نحكم أقل ونحب أكثر. الصمت يفتح أذهاننا على رحمة الله. الصمت هو لقاء مع يسوع، مثل الخبرة التي وصفها لنا القديس يوحنا الصليب: إنهُ يملؤنا من الداخل ويتيح لنا أن نلمس السماء. “إن صمت مريم ليس مجرد اعتدال في الكلام، بل هو بشكل خاص قدرة حكيمة على التذكر وفهم سر الكلمة الذي صار بشراً، وأحداث حياتهِ الأرضية وقبولها بنظرة إيمان واحدة. إن هذا الصمت كقبول للكلمة، وهذهِ القدرة على التأمل في سر المسيح، هو ما تنقلهُ مريم إلى المؤمنين. في عالم صاخب مليء بالرسائل من جميع الأنواع، شهادتها تمكننا من تقدير الصمت الغني روحياً وتعزز روح التأمل”. (البابا القديس يوحنا بولس الثاني)

قصة

يوم السبت الواقع في السادس عشر من شهر تشرين الاول عام 1897 جرى في مدينة افينيوني، التي تؤوي كنيسة مكرّسة للعذراء سيدة العجائب، حادث مذهل، بقدر ما هو مريع. فقد كان قطاران، احدهما سريع، يسيران خطأ في اتجاه معاكس على سكة واحدة، فتصادما على مقربة من محطة تلك المدينة. وكان الاصطدام مروعاً. شديد العنف، مزلزلاً. تراكض أهل المدينة إلى مسرح الحادث، وذهلوا لرؤية أكوام المقطورات التي تراكب بعضها فوق بعض، حتى بلغت ارتفاعاً شاهقاً وقد بُعج بعضها، وأصبح معظمها محدّباً ممزقاً، وخردة شوهاء. وقد التوت الأبواب، وتحطمت النوافذ. ذلك المشهد المروع كان يوحي بأن جميع الركاب قد لاقوا حتفهم، ولم يخرج احد منهم حيّاَ. لقد كان مثل هذا المصير محتوماً لولا حماية العذراء، سيدة المعجزات، وشفيعة تلك المدينة. وقد اجمع الركاب على الاقرار بأنهم نعموا بحماية سماوية. واعترف جهاراً طبيب ماهر ذو مكانة مرموقة:”لم اكن أؤمن بالعجائب، ولكنني في هذا المساء شهدت بأم عيني معجزة، فمن وجهة نظر بشرية، كان علينا ان نُسحق جميعنا.بات الجميع الان يعرف ما الذي جرى في تلك الساعة الرهيبة. فقد كانت سيدة على رصيف المحطة، ورأت القطارين يسيران مسرعين احدهما بإتجاه الآخر، وتبيّنت حتمية صدامهما، فالتفتت في الحال صوب الكنيسة المواجهة للمحطة، منتحبة وبسطت ذراعيها على شكل صليب وهتفت مفعمة ثقة: “يا سيدة العجائب، انقذيهم جميعاً! انقذيهم جميعاً“! وقد مس هذا النداء الملهوف شغاف قلب أم الله، فأنقذت جميع الركاب، وبذلك برّرت اللقب الذي اضفاه عليها اجداد تلك المدينة، وفي الآن عينه علّمتنا، ان التماسنا غوثها يلقى دائماً استجابة. وان استغاثتنا بقدرتها وعطفها تؤتي دائماً ثماراً وفيرة. انه يطيب للعذراء ان تُظهر كل يوم لمكرّميها معجزات رأفتها وقدرتها.

صلاة: يا مريم العذراء أم الصمت، إني أكرس لكِ حياتي كلها. أتضرع إليكِ أن تطبعي في قلب محبة وقلب ابنكِ يسوع الذي مات وقام من أجلي، يا سيدة الصمت، قناة النعمة امنحيني كل يوم نعمة التوبة الصادقة والثبات في دعوتي. يا مريم كاتدرائية الصمت أرشديني مع الملائكة والقديسين لبناء ملكوت الله على الأرض لأعيش في حضور الثالوث الأقدس الدائم، وأرغب في ذلك لي وللآخرين ولنفسي السلام الأبدي وفرح أورشليم السماوية آمين.