full screen background image

النور الإلهي

146

الأخت مارتينا

النور تعبير مجازي مألوف في الكتاب المقدس ويحتل مكانة متألقة فيهِ بعهديهِ القديم والجديد ففي النور نستطيع أن نرى الأشياء بوضوح، أما في الظلام فلا نرى شيئاً. في النور نسير في آمان واطمئنان، أما في الظلام فنخاف ونعثر. وأول عمل قام بهِ الخالق هو الفصل بين النور والظلام (تك1: 3-4). فالله خلق النور في اليوم الأول، وخلق الشمس والقمر في اليوم الرابع، وهذا دليل على أن الله هو مصدر النور لا الشمس والقمر. في سفر المزامير تُشير أحياناً إلى النور “الربُ سراجي، إلهي يُنير ظلمتي” (18: 29). ورسالة فيلبي (2: 15) أولاد الله الذين هم طاهرين وبلا لوم بالأنوار المشعة في السماء ويسوع يقول لنا: “فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة”. متى (5: 16). ويوحنا الإنجيلي يستعيد في مقدمة إنجيلهِ صورة ليُحدثنا عن حضور الله “النور يُشرق في الظلمة، والظلمة لا تقوى عليهِ” (1:5) كذلك يحدثنا السفر الأخير من الكتاب المقدس (سفر الرؤيا) عن النور الأبدي الذي يشع على نفوس الموتى المؤمنين “فلن يكون ليل بعد الآن، ولن يحتاجوا إلى نور سراج ولا ضياء الشمس، لأن الرب الإله سيضيء لهم. (رؤ22:5) إن الله نور، وليس فيهِ الظلمة البتة كما يقول يوحنا الإنجيلي في رسالتهِ الأولى (1يو: 1: 5). بما أن الله نور فوصاياهُ نور وكلامهُ نور، لذلك عندما يقرأ الكاهن الإنجيل المقدس، يقف إثنان من الخدم وهما يحملان شمعتين إشارة إلى أن كلامهُ هو نور وحياة. المسيح نور العالم: جاء السيد نوراً إلى العالم “فكل من يؤمن بهِ لا يمكث في الظلام” (يو12: 46) المسيح هو “شمس البِر” قال يسوع “أنا نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون لهُ نور الحياة” (يوحنا8: 12) المشي يعني التقدم لهذا يمكننا أن نفهم من هذهِ الآية أن المؤمنين ينمون في القداسة وينضجون في الإيمان إذ يتبعون المسيح. (بطرس الثانية 3:18). الله نور وخطتهُ هي أن يشع المؤمنين بنورهِ إذ يتشبهون أكثر بالمسيح كل يوم. الله هو خالق النور المادي وكذلك هو مانح النور الروحي الذي بهِ يمكن أن نرى الحق. النور يكشف ما هو مخبأ في الظلام وهو يظهر الأشياء على حقيقتها، وأن نمشي في النور يعني أن نعرف الله ونفهم الحق ونعيش في البِرْ.

المسيحية ثورة نور، ورسالتنا هي أن نكون نوراً للعالم، عملاً بوصية السيد المسيح: “أنتم نور العالم، لا يمكن أن تخفى مدينة قائمة على جبل، ولا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع من في البيت. هكذا فليضيء نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات” (متى5: 14- 16). إن كنا في محبتنا للبشر نشتهي أن نخدمهم ونذوب فيهم كالملح في الطعام لنقدمهم خلال التوبة طعاماً شهياً يفرح بهِ الله، فإن الله لا يتركنا نذوب في الأرض، وإنما يرتفع بنا ويحسبنا كنور يضيء للعالم. إنهُ يُقيمنا كالقمر الذي يستقبل نور شمس البر، ليعكس بهاءها على الأرض فتستنير في محبتهِ، يعكس نورهُ على المؤمن فيصير أكثر بهاءً من الشمس المنظورة. وإزاء دخول النور إلى القلب يبدأ الإنسان بمؤازرة روح الله وعندئذ وإذ يدخل النور إلى القلب وهو محمل بالحياة ينساب تيار الحياة في القلب كسريان النهر المتدفق الذي يكتسح أمامهُ كل مخلفات الظلمة وآثارها لذلك فهو يسمى نور الحياة،  فعندما تجلس وتصلي في النور وفي مكان هادئ بعيد عن الضوضاء، تشعر بحضور النور الذي ينير بصائرك وتكتشف نِعم الله الكثيرة في تاريخ حياتك فتشكر الله عليها بكل قلبك ويزداد إيمانك بأنهُ كما باركك الرب وأعطاكَ الكثير في الماضي سيكمل معك في مستقبل حياتك كلها، فتشعر بالطمأنينة. كذلك الجلوس في النور يكشف لك نقائصكَ وضعفاتكَ فتسرع وتندم عليها وتغير طريقتك في الحياة وفي معاملتك للناس وتصبح أكثر تواضعاً، وأكثر محبة، وبذلك تنمو حياتك الروحية والعائلية والإجتماعية. إذن لنفتح قلوبنا ونستقبل النور الحقيقي النور العجيب يسوع المسيح ونتبارك بهِ لكي نكون نحنُ أيضاً نور لجميع الأمم وخلاص الرب إلى أقصى الأرض.