full screen background image

الكلمة في الرسائل البابوية

89

الأخت بشرى حنا

دنا شاب من يسوع وسأله: “يا معلم ماذا أصنع من الصلاح لتكون لي الحياة الأبدية؟” (مت 19/16).

          فيجيب يسوع احفظ الكلمات “لا تقتل، لا تزنِ، لا تشتهِ امرأة قريبك” فيجيب الشاب: “أيها المعلم الصالح هذه حفظتها منذ نعومة أظفاري، فيقول يسوع: “لِمَ تسألني عن الصلاح؟ واحدٌ هو الصالح”. إن المسيح قبل أن يردَّ على السؤال يدعو الشاب الى أن يعي بوضوح في ذاته السبب الذي يدفعه الى طرح السؤال[1]. “فالمعلم الصالح” يعلن للذي يسأله – ولنا نحن أيضًا – إن الجواب على السؤال: “ماذا أفعل من الصلاح لتكون لي الحياة الأبدية؟” لا يمكن أن نجده إلا بتوجيه روحنا وقلبنا نحو مَن هو “وحده الصالح” : “لا صالح إلا الله وحده” (مت 10/18، أنظر لو18/19). فالله  وحده يمكنه أن يجيب على السؤال في الصلاح لأنه هو الصالح. فالبحث عن الصلاح يعني بالفعل التوبة الى الله، ويبين يسوع أن السؤال الذي يطرحه الشاب على نفسه هو بالواقع سؤال ديني قبل كل شيء. والصلاح الذي يستهوي الإنسان، ويلزمه في آن معًا، ينبع من الله بل هو الله نفسه، يتضح للإنسان من هو وما عليه أن يفعل عندما يظهر الله نفسه. فالكلمات العشر ترتكز على هذه الكلمات: “أنا الرب إلهك الذي أخرجتك من أرض مصر، من دار العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي” (خر 20/2-3). في كلمات العهد العشر مع إسرائيل وفي الشريعة كلها يظهر الله إنه يريد أن يعرف ويعترف به إنه هو “وحده الصالح” ومن وحده، برغم خطيئة الإنسان يظل “المثال” الأعلى للمسلك الخلقي الذي تعبّرعنه الكلمة، والذي يظل أمينًا في محبته للإنسان، فيعطيه شريعته، لكي يردّه الى الوفاق الذي كان قائمًا في البدء بينه وبين الخالق والكون كله، وبخاصة لكي يدخله في محبته: “وأسير بينكم، وأكون إلهكم وتكونون لي شعبًا” (أحبار 20/12).

          ويبدو الالتزام بالحياة الأخلاقية كجواب على مبادرات حب الله المجانية الكثيرة للإنسان. إنه جواب الحب، على حد ما جاء في سفر تثنية الاشتراع عن الكلمة الأولى: “اسمع يا إسرائيل إن  الرب إلهنا ربٌ واحد، فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك، ولتكن هذه الكلمات التي آمرك بها اليوم في قلبك، وكررها على بنيك” (تث 6/4-7). وهكذا فالحياة الأخلاقية المتضمنة في هبة حب الله المجاني، تعكس مجد الله: “من أحب َّ الله يكفيه أن يرضي من يحب، فليس مكافأة ننتظرها أعظم من المحبة ذاتها. فالمحبة هكذا تأتي من الله، لأن الله نفسه هو المحبة”. القول إن الله وحده صالح يردّنا الى لوح الكلمات الأولى الذي يدعونا لأن نعترف بالله ربًّا واحدًا ومتعاليًا ونؤدي له وحده العبادة لأجل قداسته اللامتناهية (خر 20/2-11). فالصلاح هو أن نكون لله ونطيعه، وأن نسير أمامه بتواضع ونحن نصنع البِر ونحب الرحمة (ميخا 6/8). ولأن نعرف الرب إلهنا لنا هو من الشريعة، الرأس والأساس والقلب، منه تصدر وإليه تتجه الكلمات الخاصة. وبممارسة الكلمات الأخلاقية يبرز اختصاص شعب اسرائيل بالرب، لأن الله هو الصالح وحده. لكن إذا كان الله هو الصلاح. لا يستطيع إنسان بجهده الخاص، حتى في سعيه للحفاظ التام على الكلمات، أن يتمم الشريعة، أي أن يعترف بالرب إلهًا ويؤدي العبادة التي تجب له وحده. تتميم الشريعة لا يمكن أن يكون إلا عطية إلهية. إنها تقدمة الشركة مع الصلاح الإلهي الذي تجلّى واكتمل في يسوع، الذي قال له الشاب الغني:

 “أيها المعلم الصالح” (مر 10/17، لو 18/18)، وإذا ما استطاع أن يلمحه لمحًا فقط، سينكشف له في النهاية جليًا، بدعوة يسوع له: “تعالَ واتبعني”[2].

للموضوع تكملة


[1] البابا يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي، تألق الحقيقة، ص 16- ص20.

[2] البابا يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي، تألق الحقيقة، ص16 – ص20.