احتفل غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو بالقداس صباح الاثنين الاول من شهر آب 2022 / ذلك في كنيسة دير المسبح/ بغداد بمناسبة افتتاح المجمع الانتخابي لراهبات بنات مريم الكلدانيات.
كلمة الافتتاح لغبطة البطريرك لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى:
الدير مكان مقدس لان القدوس يسكنه
مكان تُعَمِّقُ فيه المكرَّسات حضور الله والمسيح
وجَّه غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، رسالة الى الراهبات بنات مريم وراهبات القلب الأقدس بمناسبة انعقاد مجمعهن الانتخابي ورياضتهن الروحية.
يسر الموقع البطريركي نشر نص الرسالة لتطَّلع عليها الأخوات في الإرساليات.
إعلام البطريركية
أخواتي الفاضلات،
لقد بدأتُنَّ رياضتَكنَّ الروحية استعداداً لانتخاب الرئيسة العامة، ومستشاراتها للسنوات الست المقبلة. هذا الأمر يتطلب من كلِّ واحدةٍ منكنَّ تفكيراً عميقاً، وحكمة في مناقشة مواضيع المجمع في إطار الظروف المُقلقة التي نعيشها ومتطلبات مجتمعنا في الجانب الكنسي والاجتماعي والثقافي والهجرة وقلة الدعوات….
الدير ليس مكاناً عادياً ولا مؤسسة مثل سائر المؤسسات الحكومية والاجتماعية. الدير مكان مقدس لان القدوس يسكنه، مكان تُعمِّق فيه المكرّسات حضور الله والمسيح. هل هذا موجود حقيقةً؟ هل تعكسن شهادة لهذا الحضور- السكينة التي ركَّز عليها الروحانيون المشرقيون؟ هل تنظُرنَ الى الدير على أنه مكان مقدس وليس “قسماً داخلياً عادياً”؟ هل ما تعِشنَهُ في الدير ينعكس على الخارج…؟ ينبغي تعزيز أمانتكنَّ لله بشكل مطلق، وللكنيسة الاُم، وللجماعة الرهبانية التي تُشكِّلنَها.
الانتخابات. سوف تنتخبنَ في هذا المجمع الرئيسة العامة ومستشاراتها، فكّرنَ ملياً بمن تختارونهنَّ من دون تحزُّب أو تبعية، ممّن لهنَّ الكفاءة الروحية والقيادية والإدارية، ولهن مشاعر الامومة والقدرة على الحسم وتحمُّل المسؤولية… فكّرنَ في خير الرهبنة ومستقبلها، ولا تقبلنَ ان يكون صوتكنَّ استجابة لطموح فلانة وفلانة (التي ربما وعدتكنَّ بشيء). التصويت يجب أن يكون بضمير حيّ من أجل خير الرهبنة، هدفها ورسالتها، وحدتها وتقدمها. لاتضيّعن المكاسب التي تحققت حتى الآن. ان نجاح رهبنتكُنَّ هو نجاح الكنيسة والمجتمع… انتنَّ أخوات ورسولات ورفيقات الدرب، لذا يتحتم على كل واحدة منكنَّ ان تشارك بما لها من كاريزما.
الحياة الروحية عموماً في تراجع… العمل الفردي والجماعي ضروري من أجل استعادة صفوَة الحياة الروحية، ومعاني التكريس الرهباني، وتوطيد روحانية التكريس/ الصلاة في حياتكنَّ اليومية: “الحياة لي هي المسيح” (فيليبي 1/ 21). هذا يعني ان تجعلي المسيح يتغلغل في أعماق قلبكِ وتفاصيل حياتكِ، فيكون حاضراً فيكِ وتكونين حاضرة فيه. هنا يأتي دور الصلاة الشخصية والليتورجية الحيّة، وقراءة الكتاب المقدس (كلمة الله) والإصغاء اليها. هذه الروحية تمكنكِ من أن ترحّبي بالأخوات وتغفري لهنَّ برحمة. هل هذه الروحانية قائمة حقا؟
الحياة المشتركة، هدية من الرب، وعمق العلاقات نعمة تشكّل أنغامها مجتمعة سمفونية الحياة الديرية. أنتنَّ لم تخترنَ الأخوات اللواتي يعشنَ في الدير. انتن أخوات متنوعات. هذه علامة نبوية ثرية. أنتنَّ عائلة كبيرة، كلُّ واحدة لها مكانها ودورها وكرامتها. لذا تتطلب الحياة الجماعية الوئام والتآلف والأخوَّة والمحبة والاستقامة. من الضرورة بمكان لتحقيق هذا التناغم، أن تُقدِّم كل واحدة تضحيات وتنازلات وتسعى لصقل الطباع بعيداً عن الغيرة والحسد والثرثرة واللجوء الى العنف الكلامي، وضوابط استعمال وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك وواتساب الى ما بعد منتصف الليل) لأنها من العوامل التي تخلق جواً متوتراً.
الدير عائلة، على الجميع أن يعمل ويعيش في جو عائلي بهيج… يجب أن يكون الدير مكانا للعيش بقلب فَرِح وطمأنينة، والاحتفال والمشاركة بحماسة، حتى تتمكن كل أخت من تحقيق تكريسها كاملاً ورسالتها بسخاء، فالرسول – الشاهد هو من رأى ولمس وعاش وشهد.
بعض متطلبات الحياة الجماعية
أن نكون قريبين، لا يعني ان الأمر مثالي، هيِّنٌ وفي متناول اليد. لا ننسى ان الاخوَّة جريحة منذ قايين وهابيل، وفي الكنيسة، خيانة يهوذا ونكران بطرس وتخاصم بولس وبرنابا أثناء الرسالة (أعمال 15/ 36-41) وكذب وسرقة حننيا وزوجته سفيرة (أعمال 5/1-11). ينبغي ان نضع نصب أعيننا شخصية الجماعة المسيحية الأولى التي تعيش أخوّة بواقعية وصدق وغفران، لأن الوحش للاسف لا يزال يعيش فينا.
الحرص على اختك… لأنها ليست غريبة أو نِدّاً لكِ.
تحمُّل بعض الصعوبات بقلب كبير. جماعة بدون مسامحة، جماعة منقسمة وميتة.
تجاوز بعض الأخطاء للخروج من التوتر والانتقام الذي “يكهرب” الأجواء ويُشنّج الجماعة كلها.
المبادرة الى ملاقاة اختكِ لتصحيح العلاقة، وبذلك تصبحين سبب بَرَكة لها، لا حجَر عثرة. كيف يمكن لك ان تشتركي في الصلاة وتتناولين جسد المسيح وأنت غاضبة “وزعلانة”؟ الله سوف يديننا على محبتنا.
الصمت… قد قيل ان الصمت يشفي.
الرجاء… أن تحوِّلنَ هذه الصعوبات الى فرص نعمة وفرح وسعادة وتوازن وثبات… فالمحبة وحدها تبقى، كما تقول الرسالة الى قورنثية.
التكريس فعل حرّ من قِبلكِ… واذا رأيتِ ان الدير ليس مكانكِ، فمن الأفضل تركه وعيش شخصيتكِ كما هي، بدلاً من الاستمرار في فراغ القلب!
في السابع من هذا الشهر، عيد تأسيس دير بنات مريم، سيُختتم الإحتفال بمرور قرن على تأسيس هذه الرهبانية (كما سبق أن إحتفلت رهبانية بنات القلب الأقدس بنفس المناسبة)، مما يفتح آفاقاً جديدة أمامكنَّ، خصوصاً أنَّ في سجل كل دير قديسات (ولو لم تعلن قداستهنَّ رسمياً بعد). انهنَّ كنز، عليكنَّ ان تعُدنَ باستمرار الى مثالهنَّ.
وختاماً، أدعوكنَّ الى التفكير جدياً بماذا وكيف تبدأنَ مسيرة القرن المقبل؟