full screen background image

التأمل الرابع والعشرون أحزان مريم العذراء

606

الأخت مارتينا

أحزان مريم هي جزء من التعبّد لقلبها الطاهر والذي أمر به المسيح وأعلنت عنه العذراء للرائية لوسيا في فاطيما: “ان يسوع يرغب في ان تؤسسي في العالم إكراماً خاصاً لقلبي الطاهر” إن لأمنا العذراء مكانة متميزة وعظيمة في حياة المسيحين كافة منذ أن اختارها الرب لتكون اماً لربنا يسوع المسيح فولد منها وترعرع في كنفها فأشتركت معه بحياته وتألمت معه بآلامه ولقبت بأم الاحزان لانها تحملت وقاست من الاحزان والالآم ما لم يلقاه اي كائن حي في هذه المعمورة، إن العذراء عُصمت من الخطيئة، ولكنها لم تعفَ من الألم، لأنها كانت شريكة ابنها في سر الفداء. ولا فداء بلا ألمٍ، فأمنا الرؤوفة مريم البتول كان لها أن تتألم لأن ربنا اختارها لأن يولد منها إبنهُ أن يتجسد في أحشائها أن تتشبه بهِ ويتشبه بها، وأرادها سلطانة الأوجاع وأن تكون شبيهة بابنها في كل الأشياء، فقد حصلت على معرفة الآلام التي كانت مستعدة أن تتألم بها. وهكذا كانت على الدوام مشاهدةً إياها أمام عينيها، ومتألمةً من دون انقطاع بملاحظتها العذابات كلها، التي كان مُزمعاً ابنها الحبيب يسوع أن يحتملها ويموت بها على خشبة الصليب.

ولولا إيمان مريم الوطيد، ورجاؤها الصامد، واستسلامها الكلي للمشيئة الإلهية، وحبها اللامحدود، لكانت حياتها بشرياً مغرقة في الألم، ولكنها عانت كلّ ما عانت، بفرحٍ وسكونٍ، لإنها اتحدت مع ابنها اتحاداً وثيقاً وتطابقت إِرادتهما تطابقاً كاملاً، في التواضع، والفقر، والآلام، والدموع، لا سيما في الجلجلة، حيثُ تألمت بقدر حبها لابنها المصلوب من أجل خطايانا، وحيثُ تفاقمت آلامها بقدر كثرة العذابات التي أنزلت بالبريء الإلهية. صمدت أم الله عند الصليب وهي تتألم وتقاسي ولم يتزعزع إيمانها أو يضعف، لأنها عقدت مع يسوع شراكة ألمٍ في الإيمان، والرجاء والحب، حب كامل انفردت بهِ العذراء، ولا شك أن يسوع هو الوسيط الوحيد، الكاهن الوحيد الذي قدم ذاتهِ ضحيةً. ولكن مريم كانت متحدةً بهِ في تلك التضحية. يسوع ومريم قدما كلاهما ضحيةً واحدة: هي من دم قلبها، وهو من دم جسدهِ. تضحية مريم كانت مزدوجة، فهي قدمت يسوع مادة الضحية، أي لحمها ودمها، وسكبت حياتها البشرية على الضحية. فعل الحب البطولي هذا وحدها معهُ قرباناً، وضحية حبٍ إنهُ العطاء الأكمل، وقد اندرج في ظلمة الإيمان، وفقر الرجاء المطلق، والإستسلام الأكثر تجرداً.    

لِنُصلِّ: أيّتها الأمّ الحزينة. نحن أولادكِ نتوسّل إليكِ، بحقّ الدمّ الثمين الذي هرقه ابنك الوحيد. وبحقّ محبّته وأوجاع قلبه الذي عرق عرقًا دمويًّا في بستان الزيتون. لأجلنا نحن الخطأة. هبينا نعمة كي نعيش أُمنَاء في خدمتكِ، ثمّ نموت في أخويّتك. وأخيرًا يا أمّنا الحنونة المحبوبة، إحضري عندنا في ساعة موتنا. آمين