full screen background image

التأمل الحادي عشر تُعظمُ نفسي الرب

924

الأخت مارتينا

أن أمنا القديسة مريم نسجت نشيدها كُلهُ من الكتاب المُقدس، وتعيش في صلة قوية بتاريخ شعبِها. مُشبعة من الكتاب المُقدس، فتعبر عن ابتهاجها الشخصي بتعابير المزامير والأنبياء، إن مريم لم تبتهج وتفرح وحدها، بل متحدة مع شعب الله كلهُ، في نشيد أمنا العذراء مريم “تُعظم نفسي الرب” والذي صار جزءاً من صلاة الكنيسة، ترددهُ كل يوم لجمالهِ وعمق معانيهِ، تبتدئ السيدة العذراء بتعظيم الله قائلة: “تُعظمُ نفسي الرب” كانت هذهِ العبارة وغيرها من عبارات التمجيد والحمد والشكر في العهد القديم، تتردد على ألسنة أتقياء الله يشكرون بها الله خصوصاً عندما يفتقدهم ويُجري لهم العجائب ويصنع إليهم خيراً ورحمة ويهب لهم نعماً وبركات. تعبّر أُمنا مريم، في بداية نشيدها، عن فرحها، اعترافًا عميقًا بفضل الله وشكرًا له. ما فيها: كيانها وصوتها وفكرها يرفع آيات المجد لله وحده. لم تنسب شيئًا لها، بل تعترف بأنّ كلّ شيء فيها ليس سوى نعمة من ابن الله، وما جرى لها لم يكن لمجدِها الخاص بل لمجد الله فقط فيظهر عظمة الله الفريدة “تعظـِّم نفسها الرَّبّ”.  إنّ الله مخلّصها، هو فرحها الوحيد، وابتهاجها الذي عبرت عنه هو نفس ابتهاج أليصابات. هو فرح نهاية الأزمنة. هو فرح إسرائيل الذي يرى أخيرًا خلاصه وخلاص جميع الخلائق. والعذراء كيوحنّا المعمدان وأليصابات، باسم كلّ إسرائيل المنتظر، وباسم كلِّ الخليقة التي تتنفس الصّعداء بعد الخلاص، ترتعش فرحًا لا يوصف في حضرة الله الذي يأتي بنفسه ليسكن الأرض ويخلّص البشر. وهي ترمز أيضًا إلى فرح الكنيسة المعادي الذي يرى الرَّبّ القائم من الموت، يومًا ما مع كلّ الخليقة، آتيًا بالمجد. يأتي فرح مريم المذهل من الله مخلّصها وحده. ولم تبتهج لأنّها صارت أمًّا بشريّة بل لأنّها صارت أمّ المسيح مخلّصها فالطفل الذي حملته هو إلهها ومخلّصها. وفي تعبيرها عن فرحها موضوعية وصداقة عميقة في آن واحد: مريم تمّحي أمام سرِّ الخلاص الذي وُلد منها. وتدعو الله مخلّصها. وهي بحاجة إليه كأيّة خليقة كانت. مخلّصها هذا، مدّة حياته على الأرض ابتداءً من الصَّليب حتّى الصّعود مرورًا بالقيامة، حفظها، بوساطته عند أبيه وبموهبة الرّوح القدس في العنصرة، في الإيمان والأمانة اللذين استحقا لها الخلاص الأبديّ، فابتهجت روحها بالله “مخلّصها”. وتعيد مريم إلى الأذهان حدث البشارة حيث كشف الله خلاصها الشّخصيّ وخلاص البشريّة. لقد أراد ربّ المجد أن يعطف على أفقر خلائقه وأكثرهم تجرّدًا ليجعل منها أمَته.

لماذا كل هذا الحمد والفرح يغمران قلب العذراء مريم؟ لأن القدير القدوس إلتفت إلى تواضعها إلى صغرها إن الشي العظيم الذي صنعهُ الله للعذراء هو أنهُ جعلها أُماً ليسوع المخلص بحال تفوق الإدراك، لكن الله لم يُجرِ العظائم والآيات بمريم العذراء وحسب. لقد أجراها ولا يزال في قديسيهِ ومحبيهِ عبر التاريخ، وإن في إستطاعتهِ أنم يجريها بنا أيضاً إذا كنا نحنُ طوع إرادتهِ عاملين بمشيئتهِ، نقول لهُ ما قالتهُ العذراء ليكن لنا كما تقول وتريد، ونعيش تلك اللحظات المُقدسة التي عاشتها السيدة العذراء حين أنشدت “تُعظّمُ نفسي الربّ”، ولو كنا ضعفاء وأياً كان ضعفنا. كيف لا يُجري الله بنا العظائم وقد جعل منّا نوراً للعالم وملحاً للأرض، وقال لنا مهما سألتم باسمي فأنا أعطيهِ لكم. 

لنصلِّ: يا مريم العذراء أمي الفائقة القداسة واالتواضع، أتوسل إليكِ بحق تواضعكِ الشديد والذي استحققت بهِ أن تُرفعي فوق كلّ جوقات الملائكة وكل القديسين، أن أكفرّ بشفاعتكِ عن إهمالي، يا مريم العذراء الفائقة الحب، أتوسل إليكِ بحق حبك الفائق الصف والذي وحّدكِ مع الله بشكل لا ينفصل أن أنال بشفاعتكِ وفرة من كل النعم والإستحقاقات. أمين (القديسة جيرودوت).