الأخت رفقة
لكي نفهم معنى حضور مريم تحت الصليب، علينا إجراء مقارنات. إحدى هذه المقارنات، هي المقارنة مع بشارة إبراهيم، فالبشارة لإبراهيم كانت من نفس الملاك الذي بشرّ مريم. والذي بشرّ مريم بنفس الكلمات التي قيلت لإبراهيم “ما من شيء غير ممكن لدى الله”. الله أعطى وعده لإبراهيم بأن سيكون له أبن، بالرغم من أنه خارج السن القانوني وزوجته عاقر، آمن إبراهيم. وهكذا يُبشر الله مريم بأنها ستلد ابناً بالرغم من إنها لا تعرف رجلاً. آمنت مريم.
ثم يأتي الله من جديد في حياة إبراهيم ليسأله هذه المرة بأن يضحي بابنه إسحق الذي هو بنفسه أعطاه له، حيث قال له: “لأن بإسحق يكون لك نسل”. وفي هذه المرة أيضاً يطيع إبراهيم. أيضاً في حياة مريم، يأتي الله مرة ثانية ليطلب منها أن توافق على، أو بالأحرى تشترك في تضحية ابنها الذي كان من المفروض، حسب وعد الله لها، بأنه سيملك دائماً وسيكون عظيماً، ومريم أطاعت. صعد إبراهيم مع اسحق على جبل مورية، ومريم صعدت خلف يسوع على جبل الجلجلة. لكنّ الله طلب من مريم أكثر بكثير مما طلب من إبراهيم. في قصة إبراهيم أوقفه الله في اللحظة الأخيرة، فأبقى الابن حيّاً لأنّ ابراهيم آمن. أمّا مريم، فكان يجب عليها أن تجتاز الخطوة إلى النهاية، بدون عودة، أي الموت، الله لم يوقف مسيرة ابنها ! لأنّ مريم ستمتلك ابنها، ولكن فقط بعد أن ينزل من على الصليب. لأن مسيرتها هي أيضاً كانت في الإيمان وليس في الخيال ، فاكتملت هكذا بموت ابنها. لقد ترجت أن تتغير الأحداث عند بيلاطس ولكن لم يُعتَرَف ببراءته، لقد ترجت أن يُنقِدُه أحدهم وهو في الطريق إلى الجلجلة ولكن لم يحدث شيء. الله كان يسير في الأمام. ترجت حتى تحت الصليب، قبل أن يُضرب المسمار الأول بيد ابنها، لم يكن ممكناً أن يكون هذا ! ألم تكن البشارة لها بأن ابنها سيملك على كرسي داؤود وبيت يعقوب؟ فهل سيكون كرسي داؤود هو الصليب ؟ نعم مريم كانت : “راجياً حيث لا رجاء” . كان لها رجاء بالله، حتى عندما رأت اضمحلال أخر أمل إنساني.
فلنخرج من هذه المقارنة، لكي نعرف ما هي نتائج هذه الطاعة وهذا الإيمان: فإذا كان إبراهيم، لأجل ما فعله إستحق أن يُدعى: “أباً لأمم كثيرة”، أبونا في الإيمان، يحق لنا أن ندعو مريم “أمّنا” و “أمنا في الإيمان”، “أم الكنيسة” ؟ فإذا كان الله قد قال لإبراهيم: ” بما إنك فعلت هذا وما بَخلت بابنك وحيدك، فأبارك و أكثرُ نسلك” “لأني جعلتك أباً لأمم كثيرةٍ” نفس الشيء ، ولكن بقوة اكبر، يقوله الله المريم الآن: “بما انك فَعلتِ هذا وما بَخلتِ بابنك وحيدك، فأباركك وأكر نسلك وتطوبك جميع الأجيال.