الأخت رفقة
رَحمة الله هي المحبّة التي تَعمَل بِعذوبَة وبِفيضِ النعمة، في رأفَة فائِضة. هِي تَعمَل كَي تَحفظنا، هِي تَعمَل كي يتَحوّل كلّ شيء لخيرنا. هي تَسمَح، وبِحبّ، أن نَعجُز عَن عَمل شَيء الى حدٍّ ما. بِقَدر ما نَعجُز، بِقدر ما نَسقُط؛ بِقدَر ما نَسقُط، بِقدر ما نَموت.(…) غَير أن عَين الشَفَقة والحُبّ اللطيفة لا تَحيد أبدًا عنّا؛ عمَل الرّحمة لا يتوقَف.
قد نتساءل ما هي ميزَة الرّحمَة وما هي ميزَة النِعمَة: إنّهُما واجِهَتان لِعمَل حبّ أوحد. الرّحمَة هي صفةُ الرأفة الصادرة من حنان الأمّ؛ أمّا النِعمة فهي صِفة المَجد الصادرة من قُدرَة الربّ الملكيّة وفي ذات الحبّ. الرّحمة تَعمل لتحرُس وتَحتَمل؛ لِتُنعِش وتَشفي: في كلّ ذلك فَهي حَنان الحبّ. النّعمة تَعمل لترفع وتُكافئ دونَ حدود إلى أبعد ما يستحقّه شَوقنا وكَدُّنا. هي تُفيض وتُظهر سخاء الله، سيّدنا السّامي، الذي يهبَنا إيّاه برقّة رائعة. يَصدُر كلّ ذلك من فَيض حُبّه. لأنّ النِعمة تحوّل عَجزنا المُخيف الى تَعزية غَزيرة لا تَنتَهي، النِعمَة تُحوّل سُقوطَنا المُخجِل الى إعلاء جَليل ومَجيد، النِعمة تُحوّل موتنا الحزين الى حَياة مُقدّسَة وسَعيدة.
كلّ مرّة يقودُنا ضلالُنا عَلى هَذه الأرض إلى الألم والعار والأسى، ففي السماء، عكسَ ذلك، تَقودُنا النِعمة إلى التَعزية والمَجد والبَهجة، وبِفيض غزارة مميّزة، إذ إنّنا حين نصِل الى هُنالك لِننال الجزاء الذي أعدّته النعمة لَنا، سَنشكُر ربّنا ونُبارِكه، ونفرح بلا حدود لأنّنا تَحمّلنا تلك الشَدائد. وهذا الحُبّ الخارِق سيكون ذا طبيعة فريدة تَجعلنا نعرف في الله أمورًا لم يكن باستطاعتنا مَعرفتها أبدًا دون المرور بهذه المِحَن.