full screen background image

تأمل اليوم الثلاثون من الشهر المريمي

839

مريم شريكة في الفداء

إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح

“أؤمن بأنّ مريم اشتركت مع المسيح ابنها، إلى حدٍّ بعيد، في سرّ الفداء”. “ولمّا تمّت الأيام لتطهيرهما، بحسب ناموس موسى، صعدا به إلى أورشليم ليقدّماه للرب… وكان في أورشليم رجلٌ اسمه سمعان، وكان هذا الرجل صدّيقاً تقيّاً، قد أوحى إليه الروح القدس أنّه لن يرى الموت ما لم يُعاين مسيح الرب”. (لوقا22: 2- 32) ثم تنبّأ وقال لمريم، كاشفاً لها عن مصير ابنها ومصيرها هي المأسويّ: “ها إنّ هذا الولد، قد جُعل لسقوط ونهوض كثيرين في إسرائيل، وهدفاً للمخالفة، وأنتِ أيضاً سيجوز سيفٌ في نفسك، لكي تنكشف الأفكار من قلوب كثيرة” (لو 2 / 34 – 35). يتّضح من هذه النبوءة أنّ مأساةً تآمرية سوف تُدبَّر ليسوع، فيختلف البشر عليه حتى الرفض، ومريم ستكون مشتركة في تلك المأساة حتى العذاب المرير.

“مريم هي، في ذلك، مثال الكنيسة، مثال جماعة المؤمنين الذين يُمتحنون، في قضايا إيمانهم ووعود رجائهم، بالعذاب والشدائد وحقد البشر، يعيش المسيحي هذا الصراع بين المسيح الذي يحبّه في الإيمان وبين الشدائد الدنيوية التي تنال منه في جسده. أمّا مريم فإنّها تعيش هذا الصراع، بين المسيح الذي تحبّه في الإيمان بصفتها مؤمنةً، وفي الجسد بصفتها أُمَّاً بشرية، وبين الشدائد العالمية التي ستنال من ابنها حتى عذاب الصليب. فهي، بذلك، الصورة الحقيقية للكنيسة. ولكنها سوف تتعذب أكثر من كلّ مسيحيّ، طالما أنّ موضوع إيمانها المستهدف باضطهاد العالم، هو نفسه الابن الذي ولدت والذي تحبّه كأُمّ بشريّة. سيف مريم هو صليب المسيح المغروز في قلبها الوالديّ، هي التي كان لها من الرّب أروع الوعود”. وهي لن تجوز، منتصرة، تلك المحنة الأليمة، محنة السيف، إلاّ بارتضائها الصليب في حياة ابنها، وإن يكن ابن الله وفي حياتها هي، حياة المؤمنة وحياة الأمّ.”

إن مريم “مشتركة بسخاء في عمل الفادي بصفة فريدة على الإطلاق، وأمَة متواضعة للرب، لهذا تُدعى الطوباوية العذراء في الكنيسة بألقاب عديدة منها المحامية والمعينة والمساعدة (المجمع الفاتيكاني الثاني، نور الأمم). جميع هذهِ الألقاب التي تُطلقها التقوى على مريم والتي تَرِد في الأناشيد لإكرامها، يجب إذاً تفهمها بالنظر إلى دورها الذي تشترك فيهِ لعمل المسيح الفدائي. إنّ المجمع الفاتيكاني الثاني يشرح، بكلام مُقتضَب ومكثَّف، اشتراكَ مريم في عذابات ابنها على الصليب، بقوله: “سارت العذراء الطوباويّة على طريق الإيمان وهي محافظة على الاتّحاد بابنها حتى الصليب حيث، بتدبيرٍ لم يكن غريباً عن التدبير الإلهيّ، كانت واقفة وهي تتألّم مع ابنها الوحيد أشدَّ الألم، وتشترك بعاطفة الأمّ في ذبيحته، وتعطي تقدمة الذبيح، المولودِ منها، رضى حبّها…”، هذا ويقول الأُسقف بُوسُّويه: (“كانت إرادة الآب الأزلي ليس فقط أن تُقدِّم مريم مع الذبيح البريء وتُعلَّق على صليب المخلّص بالمسامير نفسها، بل أن تشترك أيضاً وكلّيّاً في السرّ الذي يتمّ بموته”.

يقول المجمع إنّ مريم قد “أعطت تقدمة الذبيح، المولودِ من لحمها، رضى حبّها”. الرضَى، في الإيمان والمحبة، هذا هو سرّ العمل المريميّ: في البشارة، أعطت رضاها بحياة ابنها على الجلجلة، أعطت رضاها بموت ذلك الابن، لفداء العالم. هنا وهناك، قالت للتدبير الإلهيّ بكامله، دون شرط ولا رجوع: “فلْيكن”. وإن أردنا اختصارَ حياة مريم بكلمة، قلنا إنّها استمرار ال “فلْيكن”. أعطت مريم سرّ الفداء “رضى حبّها”. يقول القديس يوحنا فم الذهب: “غَلَبَ المسيح الشيطان بنفس الوسائل التي غَلَبنا هو بها. لقد حاربه بسلاحه، أي بعذراء وخشبة وموت. فالعذراء آنذاك كانت حوّاء عندما طغاها الشيطان. والخَشبة كانت الشجرة. وكان الموت العقابَ المفروض على الإنسان. كذلك أيضاً أصبحت أدوات انتصارنا عذراء وخشبةً وموتاً، إذ حَلّتْ مريم محلَّ حوّاء، وخشبةُ الصليب محلَّ الشجرة، وموتُ المسيح محلَّ موت آدم”.

لنصلِّ: إن رغبتي في الحياة هي أن أعاني إذلال وسخرية الجلجلة، والألم البطيء لابنك، واحتقار وخزّي وعار الصليب. إن رغبتي، أيّتها العذراء المتألّمة، أن أقِفَ إلى جانبك، لأقوّي روحي من خلال دموعكِ. ولكي أُتمّم تقدمتي من خلال استشهادك، وأن أقوّي قلبي من خلال وحدتكِ، وأن أحبّ إلهي وإلهك من خلال التضحية بنفسي. آمين. (الطوباوي ميغيل أوغسطين اليسوعيّ).