الأخت نعم كمورا
خرج الزارع ليزرع، وفي هذه المرة خرج لا ليلقي بذره هنا وهناك فيقع على قارعة الطريق، وعلى أرض حجرية، وأرض شوكية وأرض طيبة أيضاً…
خرج هذه المرة وبطريقة مختلفة ليبحث عن أرضٍ صالحة طيبة مؤهلة مستعدة ثابتة ليزرع فيها كلمته، لتبذر رحمةً وخلاصاً ونعمة لبني البشر…
ومرَّ عند كل الأراضي وتوقف عند واحدة، وتفحصها ودقّق النظر والتأمل بها، وإذ بالله يندهش أمام ندرة صفائها، فذهب وحفر وقلب تربتها، ولم يجد في تلك الأرض إلا انعكاساً لجمالٍ وبهاءٍ ونقاءٍ وطهرٍ، لا بل لم يجد مثيل في كل الكون لمثل تلك الأرض فكانت بلا عيب ولا غش…
حفر وذهب إلى عمق تلك الأرض فشم منها رائحة تفوح قداسة، ولمس الله أزلية برارة تلك الأرض… وذهب أبعد للولوج الى آخر نقطة، فوجد بها خطه ورسمة وكتابته، فكان قلب تلك الأرض يرنّم ويصلي في كل لحظة، لوجود وحضور كيان الله فيها، خُطى عليها صلاة تعظيم وشكرٍ للرب…
وقبل أن يقرر أين يزرع كلمته لتحفظ وديعةً وخيراً وافراً في الحياة، جال نظره مرةً اخرى الى أراضٍ أخرى، فلم يجد مسكناً ومستودعاً بهياً ليزرع فيها بذرة كلمته إلا مستودع مريمي لتحافظ على زرع مقدسٍ شاء الله أن يهبه حياةً وخلاصاً للبشرية جمعاء…
فنالت أرض أحشاء مريم حظوة من عند الرب، إذ كانت أرض فاضلة موقرة أكرم كل الأراضي، فأرسل اليها ملاكه ليحمل لها عهد الله لمشروع خلاصي أزلي.
ومنذ تلك اللحظة بدت خطى الرب واضحة وحلّت مباشرة في أحشائها بعد قولها نعم متواضعة خاشعة شاكرة مصلية؛
أرض أحشائها أصبح حصناً محصناً طاهراً لبذرة النعم والبركات؛
أرضها نُسجت بخيوط البِر والوداعة والاتضاع؛
أرضها حُرِثَت بمنجالٍ ملائكي، روحاني متسامي؛
أرض فيها أنتعش الحب، ونما الإيمان، وثبت الرجاء؛
أرضٌ فيها بدأ منطقّ جديد جداً، عهد جديد ملكوت جديد…
حافظة الزروع هذه، بدت أسمى مما كانت، وتجلّت فيها كل ملامح الله مع حلوله كله فيها…
حافظة الزروع هذه حوت زرعاً الهياً وامتلأت نعمة فوق نعمة…
حافظة الزروع هذه احتضنت الزرع واشبعته من حب إلهها، فنما وكَبُرَ واعطى ثمراً يدوم للأبد، ثمرة حب أبدي، ثمرة خلاص، ثمرة تجلّت يانعة على الصليب…
فطوبى لك يا أرضاً بهية نقية مشرقة؛
طوبى لك فقد زُرِعَت في أحشائك أقدس وأبهى كلمة خرجت من عند الله؛
طوبى لكِ لأن الله نفسه حل كله في أرضك…
نسألكِ أن تحفظي أرض قلبنا وحياتنا، طهّري أرض قلبنا بصلاتك وشفاعتك، فتجد كلمة الله مسكناً لائقاً مهيئاً وساجداً لحارثٍ أرض بالنعمة والحب والقداسة ينعم، فكوني ودومي لنا حافظة زرع الله فينا، كيما لا تيبس نعمته فينا ولا تخنقنا أشواك الطريق وحر النهار ومقاومات الشرير…
نسألك يا أمنا مريم يا حافظة الزروع أن تباركي كنيستنا ورعاتها ورهبانيتنا وكل المكرسين والمكرسات وكل الكنيسة فننعم ببركات فائضة وحب وافر وأرض حياةٍ خصبة مؤهلة لحلول الله فيها، وأرضَ حياةٍ ينعم فيها الناس بالسلام والأمان والغفران… آمين
يا حافظة الزروع صلي لأجلنا