full screen background image

تأمل اليوم التاسع من الشهر المريمي

981

بتولية مريم العذراء الدائمة

اعداد الأخت مارتينا

مريم العذراء هي “أمّ وبتول معًا”. وهي، بحسب إيماننا المسيحي، “الدائمة البتوليّة”. ويؤكّد اللاهوت والليتورجيّا أنّ مريم هي بتول قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة. أي إنّها حبلت بيسوع المسيح دون مباشرة رجل: تلك هي بتوليّة مريم قبل ولادتها لابنها يسوع؛ ثمّ إنّها ولدته وبقيت بتولاً: تلك هي البتولية في الولادة؛ وبعد أن ولدته لم يكن لها علاقة مع أيّ رجل: تلك هي البتوليّة بعد الولادة. إنّ ما تكرز به المسيحيّة قد يبّدو مناقضاً للعقل. ولكن ليس من أمر يستحيل على الله. فالذي في البدء وضع نواميس الحبل والولادة لدى البشر يغيّرها الآن في الحبل به وولادته، جامعًا في أمّه أروع مفخرتين تعتزّ بهما كلّ النساء: البتوليّة والأمومة. مع أمنا الكنيسة نحنُ نؤمن إنكِ عذراء العذارى، بتولاً قبل ميلاد المخلّص وخلال الميلاد وبعدهِ، وستبقى بتوليتكِ مدهشة للأذهان ما دام الزمان. ولهذا يقول القديس أوغسطينوس: “من يستطيع أن يدرك أعجوبـة الأعاجيب هذه، عذراء تحبل-عذراء تلد-عذراء تبقى عذراء بعد الولادة، ولكن ما لا يستطيع العقل أن يفهـمه يستطيع الإيـمان أن يدركـه، وحينـما يقف العقل فإن الإيـمان يتقدم”.

هذا هو برهان ظهور الله لنـا دون احتراق العلّيقـة أي دون أن تُمس مريـم “فإذا العليّقـة تتوقد بالنـار وهي لا تحترق(خروج2:3-3)، ومريم هي علّيقة موسى الـمتوقدة والتي حملت الله النار الآكلـة (تثنية21:4) ولم تحترق. عن طريق العلّيقـة ظهر الله لـموسى ولفداء بني إسرائيل، وعن طريق مريـم نزل اللـه إلى عالـمنـا ليفدي كل البشريـة. احتفظت العلّيقة برطوبة مادتها واخضرارها وعبق أزهارها، ومريم بامتياز خاص حافظت على بتوليتها. لقد تقدّست العلّيقة التي ظهر من خلالها الرب، بل وتقدست الأرض التي كانت فيها، العلّيقة حتى إن الله لما رأى موسى متقدم إلى العلّيقة: “فقال لا تقرب إلى هنا، اخلع حذاءك من رجليك لأن الـموضع الذي أنت واقف عليه أرضاً مقدسة(خروج5:3)، فهل يعقل أن الأرض تتقدس بحلول الرب عليها والجماد يصبح قدس أقداس للرب، والعذراء التي قال لها الملاك: “الروح القدس يحلّ عليك وقوة العليّ تظللّك” وتلد القدوس أن لا تتقدس أو أن تكون قداستها مؤقتة؟ لقد قال القديس يوحنا الدمشقي: “أن العليّقة الـمشتعلة بالنار كانت رمزاً ورسماً للعذراء مريم أم الله، وحينما أراد موسى الاقتراب منها ناداه الله لكي يخلع نعليه لأن الأرض التي كان واقفاً عليها أرضا مقدسة بحلول الله فكم وكم تكون مقدسة صورته مع أمه العذراء”.

مريم بتول لأن بتوليتها علامة إيمانها الذي “لا يشوبهُ شك” واستسلامها بالكامل لمشيئة الله. فإيمانها هو الذي يخولها أن تصير أماً للمخلص: “مغبوطة مريم لكونها نالت إيمان المسيح أكثر مما حبلت بجسد المسيح” مريم بتول وأمٌّ معاً، إذ أنها صورة الكنيسة وأكمل تحقيق لها. (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية)، إن مريم هي العذراء الكاملة والمرأة الكاملة، عذراء منذُ الأبد وحتى الأبد، كل ما هو بتولي قبلها كان يعلن عنها وكل ما سيوجد من بتولي بعدها سيندمج بها. إن مريم تمثّل المعنى الأسمى للمرأة، في نظر الوحي الإلهي وهو وحدهُ حقيقي، ويسبغ معنى على كل واقع الأمومة والبتولية اللتين كانتا تصوراً لها قبلها، وتمثلاً بها بعدها. إنهما مثقلتان بالرمز الروحي الذي ينطوي عليهِ على نحوٍ رفيعٍ سر مريم. إذن البتولية صمتٌ، ولكن سرها مشروعٌ على آفاقٍ لا حدود لها. والبتولية هي أحد وجوه الفقر الإنجيلي ولا معنى للوحدة والصمت والفقر والبتولية، إلا في الله. الله وحدهُ هو سر البتولية وتفسيرها، وبمعزل عن الله، الله الحي الحق، البتولية هي قمة اللامعقولية. البتولية إذن حرية، وتحرر من أسر كل خليقة، وبقدر ما تترسخ البتولية يتكثف حضور الله، وتتضاعف طاقات الحب. ومريم ممتلئة نعمةً، لأنها بكليتها عذراء ومن ثم ليست البتولية حريةً فحسب، بل هي أيضاً امتلاء. وقال البابا بيوس التاسع عن العذراء: “إنها أجمل من الجمال، وأقدس من القداسة. إنها بريئة بل هي البراءة عينها. إنها حمامة الجمال الفريدة، الوردة الدائمة التألق والسعيدة أبداً”.

لنصلِّ: يا أمنا مريم العذراء أم الله البتول، يا مريم الطاهرة أيتها البتول القادرة أم مخلّصنا، أعطنا قلباً جديداً ليعرف أن حب الله لنا لن يتغير، فليكن سلامكِ الذي لا يمكن لهذا العالم أن يعطيهِ لنا معنا دائماً، ساعدينا كيما نُدخل هذا السلام إلى حياة الآخرين يا سيدة السلام الروحي. آمين.