full screen background image

القديس أوغسطينوس حياتهِ وروحانيتيهِ

677

الأخت مارتينا عبد المسيح

القديس أوغسطينوس حياتهِ وروحانيتيهِ

وُلِدَ القديس أوغسطينوس في عام 354م لأب وثني يُدعى باتريتيوس وأم مسيحية تُدعى مونيكا، وهي القديسة التي تحتفل الكنيسة بعيدها قبل يوم من عيد إبنها. وقد ولد القديس أوغسطينوس في مدينة طاغاست، التي كانت تقع في إحدى مقاطعات الإمبراطورية الرومانية في شمال أفريقية، والتي تعرف اليوم بإسم سوق أهراس في الجزائر. عندما بلغ السادسة عشرة من عمرهِ ذهب إلى مدينة قرطاج الرومانية (تونس حالياً) ليدرس القانون وعلم البيان والفلسفة. يظهر القديس أوغسطينوس في أغلب الصور وهو يحمل قلب مشتعل بالنار أو قلب فيهِ سهم أو يحمل كتاب مقدس في يديهِ أو مع مريم العذراء ويسوع الطفل يسوع.

مسيرة الإهتداء وفقاً للبابا بندكتوس السادس عشر

على الرغم من أن أغسطينوس كان قد تلقى تعليماً مسيحياً بفضل والدتهِ، إلا إنهُ إنتسب إلى المانوية وهي ديانة تأسست في بلاد فارس في القرن الثالث الميلادي وكانت ترتكز على مبدأ الخير والشر. إهتدائهِ كان في أوخر العشرينات وأوائل الثلاثينيات من عمرهِ عند وصولهِ إلى مدينة ميلان ولقائهِ أسقفها. وحسب البابا بندكتس السادس عشر تمثلَّ إهتدائهِ في ثلاث مراحل الأولى تقربهِ التدريجي إلى المسيحية ورغبتهِ في معرفة المسيح وقد تحقق هذا الأمر عندما وصف القديس في كتابهِ “الإعترافات” صوتاً قال لهُ: “خُذ وأقرأ”. الأمر الذي جعلهُ يقرأ مقطعاً من رسالة القديس بولس إلى كنيسة روما (روما13: 13- 14) يحث فيهِ بولس الناس على أن “يلبسوا الرب يسوع المسيح، ولا يشغلوا بالجسد لقضاء شهواتهِ”. أما الخطوة الثانية فقد جرت حينما عاد القديس إلى مدينة هيبو وقام بتأسيس جماعتهِ هناك. وقد أدرك حينما أصبح أسقفاً للمدينة أن العيش من أجل المسيح ومع المسيح الذي هو الحق يستوجب العيش من أجل الآخرين ووضع معرفتهِ وإيمانهِ بين أيديهم. أما الخطوة الثالثة فكانت إدراكهِ لتواضعهِ وإن الإنسان ما هو إلا خاطئ يحتاج باستمرار إلى أن يُغسل بالمسيح.

نال القديس أغسطينوس في عشية الفصح عام 387م سر العماد على يدي القديس أمبروسيوس أسقف ميلان وأحد آباء الكنيسة. وفي وقت لاحق أطلقت الكنيسة الكاثوليكية لقب أب وملفان الكنيسة على القديس أوغسطينوس. ويلقب القديس أوغسطينوس بإبن الدموع وذلك لكثرة الدموع التي كانت تذرفها أمهُ والصلاة من إهتدائهِ إلى المسيحية.

طور القديس أوغسطينوس لاهوت حياة روحية متأصلاً في المحبة ومكتملاً بالحكمة ومتحداً بالمسيح والكنيسة ركز القديس أوغسطينوس على مفهوم الخطيئة الأصلية في الكتاب المقدس ولكي نفهم فكرهِ نتحدث عن عقيدة الخطيئة الأصلية رداً منهُ ضد بيلاجيوس. إذ قدم لاهوتاً متكاملاً عن النعمة والخطيئة الأصلية واعتنقت الكنيسة الغربية والشرقية فكرهِ نلخصهُ بما يلي:_ “خلق الله الإنسان في حالة البراءة الكاملة، وزودهُ بهباتٍ فائقة الطبيعة وهي الخلود، وعدم التعرض للمرض والموت، والصلاح الكامل. كانت حالتهما مع الخطيئة هي إمتلاك عدم الخطيئة على الرغم من تلك الهبات إرتكب الإنسان الخطيئة لأنهُ مخلوق، مُعرض للتغير وبالتالي قادر على الإبتعاد عن خيرهِ الحقيقي. إن جذور الخطيئة كانت الكبرياء: لقد أراد أن يكون سيد نفسهِ. ونتيجة لسقطتهِ وُضِعَ أدم في حالة الإستعداد للخطيئة. لقد تغير حبهُ لله إلى حبهِ لنفسهِ ومالت إرادتهِ نحو الشر”.

تأسيس الحياة الرهبانية

كانت لدي أوغسطينوس فكرة مسبقة عن الحياة الرهبانية نتيجة لقراءته لسيرة القديس أنطونيوس وبعد اهتدائه

تعرف على الأنماط الحياتية للنساك الرومان في أنحاء روما وعلى روح المحبة التي تعم أفرادها، كما تعرف على الحياة الرهبانية في ميلانو في صيف 386 م. تخلى عن ممتلكاته بعد عودته إلى الوطن وانزوى مع مجموعة من الأصدقاء )كذلك ابنه أديودات) في عزلةٍ نسكيّةٍ مركزها يسوع المسيح ودراسة الكتاب المقدس في نمط حياة قريبة من الشركة الباخومية. إستمرت هذه الخبرة ثلاث سنوات وكانت هذه هي أولى خبراته الرهبانية. رسمَ كاهنًا سنة 391 بعدها في مدينة هيبو بناء على رغبة أسقفها، وفي سنة 395 إختارهُ الشعب أسقفاً عليهم خليفة للأسقف الشيخ فاليريانوس. وهناك أنشاءَ ديره الأول حيث حول بيتهُ الأسقفي إلى دير وكان أعضاء الجماعة يُسمَّون “خدام الله”، وقد جعلوا كل ممتلكاتهم مشتركة، مطبقًا بذلك حياة الرُسل الأوائل. أسس أيضاً أغسطينوس ديراً للنساء واضعاً لهن نفس القانون الذي كتبهُ لرهبانه.

ألح القديس على الحياة الجماعية والتخلي عن الممتلكات الشخصية. وجعل هذا الأمر شرطاً لرسامة الكهنة في إيبارشيتهِ. وقامت أديرة القديس أوغسطينوس على المحبة والوحدة الجماعية بين أفرادها. وتعكس أول سطور قانونهِ الموجه لرهبانهِ هذهِ الحقيقة حيث يقول: “السبب الأساسي لإجتماعكم معاً في وحدة كاملة في الدير هو العيش بروح واحدة وقلباً واحداً في المسيح”. ويؤكد قانون أوغسطينوس على الوحدة بين أعضاء الكنيسة خاصةً جماعتهِ الرهبانية. وأيضا ربط أوغسطينوس جماعتهِ الرهبانية بسر الثالوث مباشرةً. فالروح الواحد هو ثمرة الحب المتبادل الذي يوحد المجموعة هذا الحب يُمكنها من الولوج إلى عمق أعماق الثالوث.

القوانين

نشأ قانون ديري غربي في شمال أفريقيا، وهو قانون قصير جداً. ألفهُ صديق القديس أوغسطينوس إسمهُ أليبيوس الذي أصبح أسقفاً على مدينة طاغستا نحو سنة 395. وهذا «النظام الديري» هو قانون مرتكز على وصية المحبة، المحبة لله من خلال الصلوات (7مرات) المتكونة كمن سلسلة المزامير وذلك إلى جانب أوقات للعمل اليدوي (6ساعات) والقراءات (3ساعات) مع عشاء واحد عصراً. ويعود مثل هذا النظام حرفياً إلى نظام مارسه رهبان مصر في منطقة الصوامع (وادي النطرون) يقول القانون إن جماعة الرهبان ترمز إلى جماعة الكنيسة الأولى بخصوص عدم التملك الشخصي، والطاعة للأب الواحد كما حفظ لنا قانون القديس أوغسطينوس حيث يشير في البداية إلى جماعة أعمال الرسل (4: 32) مع الإتحاد والمحبة والمساواة بين الأخوة الأغنياء والفقراء. هذهِ القوانين موجهة إلى جماعة تسكن المدينة، رهبان يذهبون إلى الكنيسة ويصلون هناك، ويعترفون برئاسة الأسقف.

تأثير أغسطينوس في الحياة الرهبانية

كان تأثير القديس أوغسطينوس في النسك واسعاً، خصوصًا في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. فقوانين القديس بندكتوس تحوي آثاراً للعقيدة الأغسطينية. كما تُظهر القوانين اللاحقة لقانون بندكتوس قد تأثرت بفكر القديس أوغسطينوس، ليس فقط من قانونه، لكن من مؤلفاته الغزيرة أيضًا. ساهم اهتمام القديس أوغسطينوس بالعلاقات الأخوية، بصفة خاصة، في بلورة فكر القديس بندكتوس عن نظام الحياة الجماعية. لذلك قيل صواباً إن الحياة النسكية الغربية دخلت مع قوانين القديس أوغسطينوس في الطريق الذي سلكه مبارك.  

المقالات التي تنسب إلى القديس أوغسطينوس في الحياة النسكية

تُنسب إلى القديس أوغسطينوس ثلاثة مقالاتٍ عن الحياة النسكية: الأوامر، والتكريس، والنظام الديري. الأوامر، أو قواعد خدمة الله، كُتِبَ لأجل جماعة الرهبانية في هيبو في العام 397 التكريس موجّه إلى جماعة عذارى في هيبو. أما النظام الديري فهي قوانين القديس المُنظمة للحياة الرهبانية. يرتبط مفهوم القديس أوغسطينوس للحياة النسكية بنظام الحياة الرسولية الذي نجده في أعمال الرسل 4 : 32 – 35 . فهو يحثُ أعضاء جماعته على أن يكونوا قلبًا واحدًا وفكرًا واحدًا في الله، لأن غاية قدومهم معًا هو عَيش المحبة الأخوية.