مع مريم نحو الاعالي
“هاءنذا أمة للرب فليكن لي حسب قولك” (لوقا 38:1)
حضرة الأخوات المباركات في كل الاديرة والرسالات
سلام الرب ومحبة أمنا العذراء يكونان معكنّ جميعاً!
م/ الرياضة الاستعدادية لعيد المحبول بها بلا دنس
أملي أنكنًّ جميعاً بخير. وبعد، أودّ أن أُذكّركنّ أنه كعادة كلِّ سنة، علينا الاستعداد لعيد أمنا العذراء المحبول بها بلا دنس برياضة روحية وصوم وصلاة، حسب ظرف كل دير ورسالة.
أخواتي العزيزات، لنتأمل معاً في استعدادنا لهذا العيد الغالي على قلوبنا، عيد امنا العذراء مريم المحبول بها بلا دنس أصلي شفيعة رهبانيتنا، وبكلمات الملاك لمريم “السلام عليك، المملوءة نعمة، الرب معك!”
لقد أهدى الله من خلال البشارة للعالم وللبشرية باجمعها أُماً حنونة هي العذراء مريم، ولقد أهدت لنا وللبشرية وللكنيسة شخص يسوع المسيح، الله المتجسد والمخلص والفادي للبشرية. البشارة التي يٌذّكرنا بها الإنجيلي لوقا في مستهل انجيله هي خلاصة فكر طويل وعميق من قبل الثالوث، لحظة ناتجة عن تفكير أزلي في الاقانيم الثلاثة، وبعد هذا جاءت لحظة تنفيذ خطة الله الخلاصية بالتجسد. فالبشارة إذن خلاصة الزمن ولم تكن وليدة اللحظة ولم تأتِ بشكل عشوائي، جاءت زمن الاكتمال الذي رآه الثالوث، كما يقول لنا القديس بولس في رسالته الى أهل غلاطية “… ولما حان الزمان….” غلا 4:4. علينا ان ندرك أن الله لا يفرض وقتاً معيناً، لانه يرى الوقت والزمن المناسبين لينجزَ أعماله العظيمة لأجلنا جميعاً.
من خلال هذه المقدمة، نستطيع القول بان زمن البشارة هو ناتج عن اختيار الله لأشخاص قبلوا دعوته وعاشوها في أوقات زمنية مختلفة، كما يوضّح لنا الكتاب المقدس في اختيار الله لابينا إبراهيم ونسله من بعد، اختار الرب موسى، يعقوب، اشعيا، ارميا …. الخ. اختار الله أسرة حنة ويوياقيم التي تاتي منها العذراء مريم المختارة لتكون اما ليسوع وامنا وام الكنيسة الجامعة. ” طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب” لوقا 1: 45 والتي من خلالها يتحقق وعد الله. القديس بولس يوضح لنا في رسالته الى أهل روما اختيار الرب “… أولئك الذين دعاهم حسب قصده، فالذين سبق فاختارهم ….” روما 8: 28-29.
إن بشارة الملاك جبرائيل لمريم تؤكد محبة الثالوث لها. “… فأجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك…” لوقا 1:35، فلذلك أيضا القدوس منك يدعى ابن الله. قوة العلي أو قدرة الله هي قدرة الحب. قوة الحب والروح القدس جعلا من مريم مسكناً طاهراً نقياً لائقاً بالاله المتجسد واصبحت العذراء مريم سماءً ثانية للمسيح يسوع. فالثالوث اهتمّ بمريم العذراء وأظهر حبه لها منذ اللحظة الأولى من الحبل بها. ان الله بحبه اللامتناهي في دعوته واختياره اشخاصاً للرسالة، لا يفرض ارادته عليهم وانما يترك لهم مطلق الحرية للإجابة على دعوته. العذراء مريم اختارها الرب لتكون أُماً لابنه وترك لها الحرية في جوابها لدعوته، لان حب الله يتسم بالاحترام والحرية والتقدير لشخص وكيان المدعو، لان الله محبة. قد لا تكون مريم العذراء حرة الاختيار فيما صارت عليه من براءة وقداسة، ولكنها حرة الاختيار في ان تكون أُماً للمسيح يسوع طوعاً. القديس اوغسطين عبّر عن هذا المبدأ بقوله ” إن الذي خلقك بدون ارادتك لا يستطيع أن يخلصك إلا بارادتك”
لنا الحب والافتخار بان نعظّم ونطوب طوال الأجيال العذراء مريم لانها بآسمنا تحدثت مع الله وبآسمنا أعطت الإجابة المطلوبة منا لله. فالبشارة هي المصالحة بين الله والانسان في أحشاء العذراء مريم قبل أن تتم على الصليب.
نحن اليوم، كيف نجعل من حياتنا بشارة ودعوة ورجاء؟ وكيف نتحدى الضعف والانكسار ومصائب الحياة، لنعود كلَّ يوم الى بناء نفوسنا، عالمنا من جديد؟ إن ذلك يتم فقط من خلال المحبة، فهي الطريق الوحيد الذي به وبواسطته ومن خلاله نسعى الى اعلان كلمة الله ” البشرى السارة” لكل انسان نلتقي به في دروب حياتنا اليومية. هذا هو سر تجسد الله وحلول الروح القدس لبنيان الكنيسة. فلنضع كل ثقتنا ورجائنا في شخص الطفل المولود في المغارة.
أخواتي المباركات. ليكن هذا موضوع تأملنا في هذا الزمن المبارك – زمن البشارة والميلاد… وفي الختام أنتهز فرصة عيد أمنا العذراء المحبول بلا دنس لأهنئ من أعماق قلبي كل اخت بمفردها، وأقبِّلها بمحبة أخوية، سائلةً الرب كي ينعم عليها بدوام النعمة والبركة والقداسة، متمنية للجميع رياضة مقبولة لدى الرب ووالدته العذراء مريم، وعيداً يفيض بالنعم والبركات السماوية بشفاعتها الوالدية.
وتقبَّلن فائق محبتي وتحياتي وصلواتي
الأخت مريم يلدة شابو
الرئيسة العامة للرهبانية