الأخوات والأخوة الأَحِبَّاء،
نحتفل هذا العام بعيد الميلاد في أجواء غير مستقرة منذ عقدين، وقد عمَّقَتها بشكل غير مسبوق تداعيات تفشّي جائحة كورونا، ممّا ألزَمنا بتعليق الصلوات والفعاليات الرَّعَويِّة في كَنَائِسِنَا طوال الأشهر الماضية، حفاظاً على سلامة الناس.
العيد: إستعادة الصفاء الروحي
وسط هذه الأجواء المُقلقة، علينا كمؤمنين أن نركّز على معاني عيد الميلاد، وليس على الإحتفال الخارجي الذي سيكون محدوداً بسبب تدابير الوقاية من وباء كورونا. بالرغم من كل الظروف يبقى الميلاد مصدر رجاء وقوّة لإستعادة الصفاء الروحي عِبر إحتفالنا به عائلياً وكنسياً على ضوء معاني الميلاد، حتى يولد المسيح في قلوبنا وعائلاتنا، ويمنحنا نعمة الثقة. إنه يَقُول لَنَا: “لَا تَخَافُوا” (مرقس 6/ 50)، و”ها أنَا مَعكُم كل الأيام” (متى 28/ 20). هذا يُعيننا في التغلّب على الخوف، والبقاء اُمناء على إيماننا وتعميق علاقاتنا الأخوية.
ولد المسيح حتى نولد فيه ومعه، لمستوى آخر من الحياة والعلاقات. تتجسد كلمة الله انسانيّاً في يسوع حتى تتجسَّدَ فينا أيضاً. جعَلَنا يسوع بميلاده نشترك روحياً في الحياة الإلهية. لنتَذَكَّرُ ما قاله: “أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله” (يوحنا 1/ 12).
عاش يسوع ببساطة علاقة المحبة والطاعة مع الله، وعلاقة محبة وتضامن وخدمة مع الناس في زمانه. هذا ما ينبغي أن نتأمل به في الميلاد، ون نبحث عن طريقة لكي نجسِّده في حياتنا اليومية، لكي تملأ كلمة الله قلبنا ونستعيد صفاءنا الروحي، وتُبارِك جهودنا من أجل مستقبل أفضل.
هذا التغيير يتم عندما نكون جماعة مُحبة ومتحدة، جماعة الصلاة التي تبعث فينا النور والدفء والطمأنينة، وتولِّد فينا الثقة والحماسة لمواصلة مسيرتنا.
العيد: دعوة الى التضامن الأخوي
يدعونا العيد الى أن نتضامن مع بعضنا ونمد يد العون للمحتاجين لاسيما الذين فقدوا وظائفهم، والطلاب الذين يجدون صعوبة كبيرة في مواصلة دراستهم بسبب الظروف وتداعيات جائحة كورونا. لنتذكر مرة اُخرى قول المسيح: “كلما صنعتم شيئاً لإخوتي هؤلاء الصغار فلي قد صنعتموه” (متى 25/ 40). وقد قدمت البطريركية لحدّ اليوم أكثر من 150.000 الف دولار لمساعدة الفقراء من دون التمييز بينهم.
العيد: دعوة الى المصالحة وتحقيق السلام
لقد علَّمَنا يسوع إنَّ الله هو أبونا جميعاً، ونحن إخوة في عائلة بشرية واحدة. من هذا المنطلق دعا البابا فرنسيس في رسالته العامة “كلُّنا اخوة” الى أن نكون إخوة بكل صدق وليس متخاصمين. لذا علينا جميعاً مسيحيين ومسلمين أن نترك خلافاتنا جانباً ونحب بعضنا بعضاً ونخدم بعضنا بعضاً كإخوة في عائلة واحدة. لنقدم مصلحة الوطن- العراق على اي اعتبارات، ولنتكاتف كفريق واحد من أجل تغيير وضعنا والخروج من هذه الأزمات، من خلال بناء علاقات على اُسس الإحترام المتبادل، وترسيخ قيم العيش المشترك.
بكل أسىً نقول: إننا حالياً في العراق على مفترق الطرق، وأمام التحدي الأصعب، فإما أن نُعيد بناء علاقاتنا على اُسس حميدة، ونبني بلدنا على قواعد سليمة، وإما أن نترك هذه العاصفة العارمة تؤدي بنا الى الأسوأ!
أخواتي، إخوتي
لنتهيأ لهذه الأعياد بالإيمان والصلاة وأعمال الخير كيما يسكب الله في قلوبنا نِعمَهُ وبركاتِه، فننال القدرة على تخطّي المِحَن، والتنعّم بالسلام كما جاء في ترنيمة الملائكة ليلة الميلاد: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر” (لوقا 2/ 14)، على أرض العراق والشرق والعالم، السلام والرجاء الصالح.
نسأل الله أن يمنح بلدنا والعالم بأسرِهِ السلام والشفاء من جائحة كورونا. كذلك أدعوكم الى إغتنام فرصة زيارة البابا فرنسيس للعراق في مطلع شهر آذار المقبل، بالإبداع في الإعداد والإستعداد لخير بلدنا ومنطقتنا.
عيد الميلاد مجيد ورأس السنة الميلادية مباركة لجميعكم.
ماران ثا، تعال أيها الرب يسوع، فنحن بحاجة ماسَّة اليك، تعال نحن بإنتظارك.