اعداد الأخت رفقة
الإنسان الذي يُبدي حماسة مفرطة من أجل الحقيقة لم يعرف بعد الحقيقة كما هي. فمتى عرف معناها الحقيقي، سيتوقّف عن الشعور بهذه الحماسة المفرطة من أجلها. فإنّ هبة الله والمعرفة التي منحتها هذه الهبة لا يشكّلان قط أيّ سبب للاضطراب أو للصراخ، لأنّ المكان حيث يسكن الرُّوح مع المحبّة والتواضع هو مكان لا يسوده سوى السلام…
فلو كانت الحماسة مفيدة لتقويم اعوجاج مسيرة البشر، فما كانت الحاجة إذًا ليتجسّد ابن الله ويلجأ إلى الوداعة ويستخدم وسائل متواضعة ليهدي العالم إلى الآب؟ ولماذا تمدّد على الصليب من أجل الخطأة، ولماذا سلّم جسده المقدّس للتعذيب من أجل العالم؟
أمّا أنا، فإنّني أؤكّد أنّ الله فعل ذلك لسبب واحد: أن تتجلّى محبّته للعالم أجمع، عسى تصبح قدرتنا على الحبّ أسيرة محبّته بعد أن تتعزّز من خلال هذه البيّنة. بهذه الطريقة، وجدت قوّة ملكوت السموات العليّة القائمة على المحبّة فرصةً للتعبير عن نفسها من خلال موت ابنها، حتّى يشعر العالم بمحبّة الله لخليقته. وإن لم يكن لهذه المبادرة الرائعة أيّ سبب سوى مغفرة خطايانا، لكانت وسيلة أخرى كافية لتحقيق ذلك. مَن كان ليرفض لو أتمّ ذلك من خلال ميتة عاديّة، لا غير؟ لكنّه لم يرد ميتةً عاديّة لعلّك تفهم ما هو هذا السرّ…
لماذا كان الشتم والبصق ضروريّين؟ آه يا أيّتها الحكمة المُحيِية!… هل فهمتَ الآن وشعرتَ بما كان موجب مجيء ربّنا وكلّ ما تبع ذلك، حتّى قبل أن يشرح لنا الأمر بشكل واضح من فمه المقدسّ. والحقّ أنّه قد كُتِب ما يلي: “إِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَم، حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة”.