full screen background image

تلميذ، هذه أمك

734

هذا النص اليوحنّاوي (يوحنا 27:19)، اخذَ عند اللاهوتي معاني مختلفة، فمنهم من رأى فيه إعلانًا لأمومة مريم الروحية، ومنهم من توقف عند محبة يسوع البنوية التي دفعته الى تأمين حياة أمه، قبل موته، بأن عهد بها الى يوحنا تلميذه الحبيب، في حين ركّز آخرون على المعنى الرمزي، ولكن بحسب خطين مختلفين:

يُعتبر الخط الأول ان التلميذ الحبيب يمثل كرسول الكنيسة الجديدة التي تقبل بكل تكريم ومحبة، الكنيسة الآتية من اليهودية، والمتمثلة بمريم. في حين تقبل مريم، كصورة حيّة لرجاء العهد القديم الكنيسة الجديدة كأم حنون.

          ويعتبر الخط الثاني مريم، صورة لجماعة المؤمنين الذين يقبلون الإنجيل الذي يُمثله يوحنا، وبذلك يوجهون دعوة للمحافظة على الأمانة للإنجيل.

          الإنجيلي يوحنا في الآية 26 يَستعمل كلمة امرأة، لأن مريم لم تَعد أم يسوع وحده، لقد اصبحت الأم. وكذلك بما يخص كلمة ” تلميذ”، التي أستُعمِلَت بالمطلق أيضًا. فالتلميذ الذي كان يسوع يحبه، هو مثال ” التلميذ” الذي شَهَدَ وآمن اكثر من كل التلاميذ.

          ان يسوع يدعو مريم امرأة، وبذلك عودة الى حواء المرأة الأولى أم الأحياء. ومريم هنا، هي حواء الجديدة أم المؤمنين الذين يأخذون الحياة الجديدة بيسوع ثمرة الحياة الحقيقية، بدل تلك التي سببت موت آدم.

          “وأخذها يوحنا الى بيته” (يوحنا 27:19). البيت عند يوحنا، هو أبعد من أن يكون مساحة مادية. البيت، هو ما يملكه من هو حبيبي يسوع : ايمانه بالمسيح، تعلّقهُ به، مسكنه الداخلي حيث يسكن المسيح. وبهذا المعنى يقترح يسوع، عند ساعة موته، ساعة الخلاص، على ” التلميذ” ان يعتبر مريم المرأة رمز الكنيسة كأمه،  وكإحدى خيراته الروحية التي تساعده على عيش كمال تلمذته ليسوع وعلاقته به.

          لقد استحقت مريم أن تكون أم مَن وحّد بصليبه الكل، فأصبح الجميع فيه أبناء الله. لقد محى بآلامه وصلبه كل البعد والشقاق. فجعل من الكثيرين جسدًا واحدًا بجسده السرّي، فاستحقّت أمه بذلك ان تكون أم هذا الجسد/ الكنيسة.

          إذًا جوهر رسالة مريم نجده في قيامها عند الصليب حيث دُعيت “أمًا للكنيسة”. هناك قَبلَت أن تكون أم البشرية الجديدة المولودة بالآلام، عند الصليب.

ومن خلال ابنها أصبحت المرأة ــــ الأم، ولم يَعد لأمومتها حدود، لأنها أم ابن الله، وقد استحق كل انسان ان يكون ابنًا لله، بالمسيح يسوع الابن الوحيد. ومن خلال ابنها اصبحت مريم مثالاً لكل مؤمن، لأنها عرفت كيف تقبل النعمة فتتأملها وتحفظها، وتراها تتحقق وتتم عند الصليب، فاستحقت أن تكون الشريكة في الفداء.

          فمريم لم تؤسس الكنيسة ولم ترئسها، بل رَمَزَت اليها وعاشت دعوتها كأم تلد أبناءً جددًا لحياة جديدة. انها المؤمنة، والمصغية، المتأملة والمتألمة مع ابنها، على رجاء القيامة.

فمسيرة مريم هي مسيرتنا نحن أيضًا، ومسيرة الكنيسة ومسيرة البشرية. انها مسيرة كل مؤمن، وما تحقق في مريم، فيتحقق في كل منا. فلتكن مريم لنا، كما هي الكنيسة : الأم والمعلمة.

ف . ق

(نشرة العهد الفصلية – رهبانية بنات مريم، السنة السادسة، 2004، العدد الأول، ص21)