رائد نيسان حنا
نجد أن كلمة محبة في لغتنا صارت كلمة دارجة مستهلكة فقدت في الواقع كل معنى لها. الكثير من الأمور مفقودة في عالمنا ولكن أهمها والرئيسية هي المحبة وإذ وجدت المحبة وجد السلام والرحمة …الخ، وحيث يوجد محبة هناك سلام ورحمة، وغياب المحبة غياب السلام والرحمة.
لا شك أن أعظم صفة يمكن أن يتصف بها أي إنسان مهما كان مركزه وكانت درجة ثقافته هي المحبة. يحتاج إليها رئيس الدولة والوزراء والخدام والفقراء، يحتاج إليها القساوسة والرعاة والأطباء والمحامون والآباء والأمهات والأزواج والزوجات، والأبناء والبنات.
المحبة هي من الكلمات المفقودة في عالمنا اليوم، وهي كذلك من أكثر الكلمات التي يشعر المرء بحاجته إليها، لأن غيابها عن حياتنا يضعنا في لحظات صعبة جداً، وأمام مواجهات تكاد تسحقنا من الآلام وربما نصل إلى الموت أيضاً نتيجة غياب المحبة. فقد العالم معنى المحبة عندما أصبح كل واحد منا يفكر في نفسه وفقط في نفسه، وصلنا إلى لحظات أصبحنا كالوحوش الكاسرة على هذه الأرض، نريد أن نبتلع الجميع، القوي يأكل الضعيف ويسحقه، فقدنا كل معاني المحبة والرحمة تجاه إخوتنا لأننا فقدنا إنسانيتنا نتيجة عدم وجود المحبة.
عالمنا اليوم يعاني من نقص المحبة ويعاني من فقدانها. والبشرية اليوم في حاجة ملحة ومدعوة بإلحاح وإشفاق إلى أن تسلك طريق المحبة. ونشير إلى أن عالم اليوم يعاني من فقدان المحبة في معظم تعاملاته ومسالكه وسياساته. وأصبحت ظاهرة واضحة من الحياة المعايشة وتعامل البشرية اليوم مع كل للأحداث، لم يترك الإنسان مسيرة طاهرة، وسيرة حسنة، وقدوة مشرفة. وهذا واضح من خلال التعامل وأدأب العلاقات. ونجد الحروب والمعارك، فويلات الحروب لا تخفى، ونتائجه الهلاك.
المحبة التي يمنحها الله لنا هي المحبة الحقيقية، إنها المحبة غير المشروطة، المحبة بلا مقابل. وعظمة هذه المحبة تجلّت بالصليب، حيث ضحّى المسيح بحياته من أجل من يحبّ. لا يمكننا أن نشعر بالمحبة الصادقة الحقيقية إلا من خلال محبة الله لنا. ولا يمكننا أن نمارس المحبة الحقيقية إلا عندما نقدّم نحن المحبة غير المشروطة لمن نحبّ. ولتكن كلمات الكتاب المقدس دليلاً ومرشدًا لنا في المحبة: “وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً” (أفسس 5: 2).
هل تقدّم المحبة منتظرًا المقابل؟
هل تحبّ ضمن شروط؟
هل تحب بحسب الظروف؟
هل المزاج يتحكّم بكيف تحبّ الآخرين؟
هل تعتبر البعض غير مستحقين لمحبتك؟
هل تحجب المحبة وتقدّم المحبة كما تشاء؟
هل تعاقب غيرك بحجب محبتك لهم؟
المحبة هي كلمة سامية جداً، تضع البشر جميعاً بنفس المستوى، هي من تحقق الإنسانية الجديدة التي يطمح إليها جميع شعوب العالم، المحبة هي تطور الفرد وبالتالي تطور المجتمع الإنساني بأسره، عند وجودها نشعر بقيمة كل إنسان وان كل واحد هو مهم على هذه الأرض، نشعر بالسلام ونشعر أيضاً بالحرية والاطمئنان، وهي من يعطي الفرح والسعادة والسلام للجميع. فغياب المحبة غياب الرحمة والعدالة والسلام والاطمئنان …الخ. فعدم تواجد المحبة غياب مشتقاتها، وفقدان المحبة فقدان مشتقاتها، فعندما نفقد المحبة التي هي الصفة الرئيسية نفقد جميع مشتقاتها. ويمكن القول لو كانت المحبة موجودة في عالمنا لكان عالمنا بخير ويعيش بسلام وسبب فقدانها هو الإنسان.
عندما نود أن نستعرض الحالات التي تفككت وتهدمت نكتشف الكثير منها. وبهذا الصدد سنتحدث عن الكلمة المفقودة في عالمنا اليوم والتي بدونها تفككت البشرية جمعاء، نأمل ألا تعيش وتستمر البشرية مثل هذه الحالات. هناك عائلات وأصدقاء وجيران تمزقت وتفككت ونمت وامتدت فروعها واستمرت على ما نشأت عليها من تفككات في الروابط العائلية ونرى ذلك إلى أكثر من سبب وأهمها غياب المحبة ومشتقاتها تأتي حين تتواجد المحبة فعندما تكون المحبة رقما منسيا في العائلة أو في الروابط الاجتماعية تتفكك، فالبيوت والعلاقات والمجتمع بأكمله تتوقف على هذه الكلمة المفقودة وحين تكون مبنية على المحبة ستكون مغمورة وملؤها السلام وعندما نعصرها سنحصل على منتجاتها.
فالمحبة تؤدي دورها بفاعلية ويلزم المحافظة عليها وعلى نموها وإلا قد نصل إلى نقطة انهيار في العلاقات. ويجب أيضا أن ندرك ما الذي قادنا إلى هذه النقطة المأساوية. ولعلنا نجد الكثير من التفسيرات لهذا الموضوع لان الحقيقة هي أن معظم مشاكلنا وتفككاتنا تنبع أساسا من عدم تواجد المحبة في العلاقات التي تصيب وتقودنا إلى مشاكل زوجية وعائلية وفي التواصل والعمل ومشاكل اجتماعية ودينية وعرقية ومشاكل خاصة بالنزاع. وان هذه المشاكل هو تحطيم العلاقات والنتيجة النهائية هي ما يسميه علم النفس بالتنافر والتباعد (الانفصال عن الآخرين وعدم التفاعل من خلال العلاقات. قد يدفع العالم الثمن غاليا إذ استمر بمنهج التفكك… والخ… ونلاحظ توسعت دوائر التفككات على واقعنا في حياة العائلات والجيران والأصدقاء أصبحت مهددة تفتقر لوجود المحبة في حياتهم المتفككة وفي علاقاتهم الاجتماعية والعائلية.
كلمة غائبة يفتقر إليها العالم اجمع، الكثير من الانحلال العلاقات وتفككاتها سببها غياب المحبة التي نلاحظها في مجتمعنا المنحل أدبيا أصبحت كلمة المحبة غائبة ومازالت غائبة إلى يومنا هذا. ومن المهم أن ندرك بدون المحبة لا تستمر علاقاتنا مع الآخرين وهذا متوقف على هذا الأمر. فالمحبة مهمة وضرورية والعمل والسعي بها من خلال تعاملاتنا مع الآخرين وبدونها ستتكاثر التفكك العلاقات… وهي التي تجعل أفعالنا وأعمالنا نافعة وينبغي تظهر فينا من خلال العلاقات وتمكينها.
الموضوع له صلة