full screen background image

تأمل اليوم الثالث عشر من الشهر المريمي

1874

مريم العذراء هي سلم يعقوب

إعداد الأخت مارتينا

حين كان يعقوب هاربًا من وجه أخيه رأى حلـماً وإذ بسلّم منصوب من الأرض إلى السماء والـملائكة تصعد وتنزل والرب واقف عليـه، ومريم العذراء هي بحق هذا السلّم الذي عن طريقـه نزل الله إلـى الأرض، وعن طريق شفاعـة مريـم العذراء تنتقل الـملائكة والبركات ما بين الـسماء والأرض. راحيل بفضائلهـا اكتسبت قلب يعقوب (تكوين20:29)، ومريم بفضائلها اجتذبت قلب الله “إنكِ قد نلتِ نعمة عند الله” (لوقا30:1). ويرمز السلّم إلى العذراء مريم حيث صارت هي الصلة بين الناس والله، بتجسّد الفادي في أحشائها (غل4: 4) وتم بذلك الصلح بين السماويين والأرضيين، والسلّم الذي شاهده يعقوب أب الآباء هو رمز للعذراء مريم لأن منها تجسد السيد المسيح الكلمة الذي قدم ذاته فداءً للبشرية وأصلح السماويين مع الأرضيين. وأما في العهد الجديد فقد تحققت هذه الرؤية حين تقابل ربّ المجد يسوع مع فيلبس وأندراوس وقال لهما الحق الحق أقول لكم: “من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان” (يوحنا 1: 51)، والكنيسة تصلّي وتقول: “أنت هي السلّم الذي رآه يعقوب ثابت على الأرض مرتفعاً إلى السماء والملائكة نازلون عليه.”

بهذا تكون مريم العذراء هي هذا السلّم، السلّم الذي رآهُ يعقوب في الحلم، وأصبحت الصلة التي تربط الأرض بالسماء، انحدر عليهِ الإله لكي يصعد إليهِ كل الذين يؤمنون بهِ ويحبونهُ والملائكة هم بحضرة الابن وأمه مريم، مهمتهم الخدمة. أنحدر عليهِ كيما يلبس طبيعتنا المائتة ويؤلهها، إذ لا تأليه للإنسان، ما لم يتأنّس الإله. فهذا السلّم مريم العذراء، أسهم في عمل الله الخلاصي عندما نزل عليهِ الكلمة ليُخلّص الإنسانية الساقطة في ضعفها وخطيتها. مريم هي السلّم الذي انحدر عليهِ الإله ليبارك كل قبائل الأرض، فيصبح شعب الله الجديد ليس نسل إبراهيم واسحق ويعقوب بحسب الجسد فقط بل الكنيسة عروسة المسيح، وأبناءها هم إبراهيم بالإيمان والطاعة لكلمة الله والعمل بها كما علّمتنا والدة الإله التي نكرّمها في أبيات المدائح نهتف إليها قائلين: “السلامُ عليكِ يا سلماً أصعدت الجميع بالنعمة من الأرض إلى السماء، السلامُ عليكِ يا جسراً ناقلاً بالحقيقة من الموت إلى الحياة جميع الذين يُكرّمونها بإيمان، السلامُ عليكِ يا سلّماً بها انحدر الإله، السلامُ عليكِ يا جسراً ناقلاً الأرضيين إلى السماء”.  إن مريم هي الوسيلة الأكيدة والطريق المستقيم لنذهب إلى يسوع المسيح، لذلك على النفوس القديسة أن تجدهُ بواسطتها لأن الذي يجد مريم يجد الحياة، أي يجد المسيح يسوع “الطريق والحق والحياة”. وإذا كنا لا نفتّش عن مريم فلن نجدها. وإذا كنا لا نعرفها فلا يمكن أن نبحث عنها لأنهُ لا نفتش ولا نرغب في أمر نجهلهُ. لذلك يجب أن تُعرف مريم أكثر من أي زمن مضى لأجل معرفة الثالوث الأقدس وتمجيدهِ (القديس لويس دي مونفور).

ابتغى مخلّص البشر أن يصير بشراً، ويولد من بشر كان عليهِ أن يختار بين جميع النساء، بل فلنقل كان عليهِ أن يتخذ لنفسهِ أُمّاً تحظى بكل رضاه. لذلك شاءها عذراء، كي يولد من أُمٍّ مُنزّهة من الدنس بما أنهُ هو منزّه من الدنس، وقد جاء كي يطهّرنا من كل أدناسنا وشاءها متواضعة، هو المتواضع والوديع القلب كي يعطينا في شخصها المثال الضروري والخلاصي لهذهِ الفضائل. وإذ ازدانت تلك العذراء الملكية بهذهِ الفضائل، وذاعت شهرة جمالها المنقطع النظير حتى السماوات، واجتذبت أنظار سكان السماء، بحيث استمالت قلب الملك نفسهُ فأنفذ إليها من عليائهِ رسولاً. وهذا ما يطلعنا عليهِ الإنجيلي، عندما يظهر لنا الملاك المرسل من الله إلى العذراء، أي من العظمة إلى الوضاعة، من السيد إلى الأَمَة، من الخالق إلى الخليقة. فيا لتنازل الله ويا لامتياز العذراء.

لنصلِّ: يا مريم العذراء، أمّ اللّه وأمّنا، ما أشدّ رغبتنا في أن نحظى بعطفكِ وحنانكِ، وأن تمتلكينا بكلّيتنا. ونحن نكرّس لك اليوم ذاتنا بكلّيتها مع كل حواسنا حتى لا نرى ولا نسمع ولا نقول إلاّ ما يرضيكِ، ونقدّم لكِ قلوبنا فاملئيها بيسوع، واجعليها حنونة على القريب وشفوقة على الضعيف، وامنحينا نعمةً نستطيع بها أن ننشر كل أيام حياتنا، نورَ يسوع وفرحهَ، محبتَه وسلامَه، فنحيا دائماً تحت نظركِ ونموتَ يوماً بين يديكِ يا أمنا. آمين.