تأمل اليوم الثالث من الشهر المريمي
اعداد الأخت مارتينا
إن النعمة هي إشراك الإنسان من قبل الثالوث الأقدس في الحياة الإلهية وهذا الإشراك العجيب في الطبيعة الإلهية لا يتمّ إلا عن طريق استحقاقات المسيح وعمل الروح القدس. فبعمل الروح القدس تجسد ابن الله في أحشاء مريم العذراء، وبعمله يصير الإنسان في سر العماد المقدس ابناً لله بالتبني وأخاً للمسيح وعضواً في جسده السري. والنعمة نوعان: النعمة المبررة: وهي صفة حقيقية يفيضها الله مجاناً بطريقة ثابتة في النفس المؤمنة فيصبح الإنسان ابناً لله ووارثاً له. النعمة الفعلية: وهي عضد خاص من جانب الله يهبنا إياه مجانا لنصنع الخير ونجانب الشر. إن مريم هي أولاً الابنة البكر لله الأب، التي لم تتدنس بالخطيئة قط، والتي ملأها تعالى نعمة منذ براها، وزينها بملء الفضائل وكللها بالقدرة، لذا يحييها الملاك قائلا: ” يا ممتلئة نعمة.”
إن “السلام عليكِ” بكاملها في الإنجيل لم ترد، كما هو شأن الصلاة الربية. إنما وردت الفقرة الأولى من القسم الأول منها على لسان الملاك جبرائيل إذ قال للعذراء: “السلام عليكِ يا مريم يا ممتلئة نعمة الرب معكِ” والفقرة الثانية على لسان اليصابات: “مباركة أنت في النساء ومبارك ثمرة بطنكِ” (لوقا1: 28، 42)، هذهِ كانت الصلاة التي نظمها القديس عبد الأحد (دومنيك) واتخذها سلاحاً لمحاربة الشر واستئصال الرذيلة. وبعد وفاة القديس بنحو 40 سنة أضاف البابا اربانس الرابع كلمة “يسوع إلى هذا القسم الأول. أما القسم الثاني من “السلام عليك” فقد بدأ يظهر منذُ منتصف القرن السادس عشر وذلك تحت تأثير المجمع التريدنتيني وهذا القسم صلاة حارة وضعتها الكنيسة على أفواه أبنائها فيها يستغيثون بحنان إمهم العذراء لتدرأ عنهم الأخطار في حياتهم وتنقذهم في موتهم.
وصلاة السلام الملائكي هي من أروع الصلوات التي يوجهها المسيحيين إلى الملكة والأم السماوية بعد الصلاة الربية، وقد انتشرت انتشاراً سريعاً لما تحتويهِ من معنى وذكر لأمجاد مريم وسمو مقامها وقدرة شفاعتها واحتياجنا إلى عونها. دعيت صلاة “السلام لكِ يا مريم”، بالسلام الملائكي لأنها تبتدئ بالعبارة التي حيا بها الملاك العذراء مريم عندما بشرها بالحبل الإلهي. لتصبح أم مخلص البشر سيدنا يسوع المسيح. وهي الصلاة التي تحتوي على سلام الملاك وترحيب القديسة إليصابات بنسيبتها العذراء. وهذا السلام لم يكن مجرد تحيّة، بل دعوة للفرح المسيحاني، وهذا الفرح ورد عند الأنبياء كصفنيا، زكريا ويوئيل الذين كانوا يدعون الشعب ليفرح ويهلل في حضور الرب في وسطه. إذاً هذا الفرح ينتج عن حضور الله. لماذا؟ لإنه بحضور الرب سيمنع الحرب والخوف والسبي والموت، ويحمي ويدافع، يشفي ويخلص شعبه. هذا الفرح الذي يدعو الملاك مريم إليه هو فرح إعلان حلول زمن الخلاص. عندما نقول السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمة: نعني هللي، إفرحي، إبتهجي بحلول زمن الخلاص مباشرةً. عندما نتلو صلاة السلام ندخل في محضر مريم ونكون معها ونشاركها في جميع حالات الفرح النور والحزن والمجد التي هي فيها. ننال السلام من التي نُهديها السلام، والفرح من التي نُهديها الفرح، والنور من التي نُهديها النور، والمواساة في الحزن لمن نُشاركها الحزن، ونستعد لدخول المجد السماوي مع التي نُهديها المجد.
تبدأ صلاتنا بالسلام التي تعني الرب، وتنتهي بآمين التي تعني الرب، فالرب هو من يحيط بصلاتنا من كل جهة، ونحن مع مريم نكون في قلب الله، وعلى جناح الروح القدس. السلام يعني أن الآب معها هو سلامك وانتصارك هو أبوكِ، ممتلئة نعمة أي الابن معها، مملؤة منه ومن حضوره وهي امه، الرب معك أي بروحه يظللك، يحميكِ فهي عروسه المميزة، إن مريم حقا ابنة الآب وأم الابن وعروسة الروح. وكما إننا أشرنا من خلال هذه الصلاة إلى علاقة العذراء بالثالوث نستشف أيضا حضوره من خلال هذه الصلاة مع كل مؤمن ومؤمنة.
إن هذه الصلاة هي كتاب مقدس صغير قُطع بغير يد من جبل الكتاب المقدس، وهو يحوي على غراره مختصر إيمان صغير. يبدأ الكتاب بحالة السلام في الجنة كما تبدأ الصلاة بالسلام، يحمل الوعد بالمسيح المخلص يتوسطه التجسد والفداء، ويتوسط الصلاة، ثمرة بطنها الإنسان يسوع، وهو المسيح الذي انتظره الشعب كمخلص، وهي والدة الله، أي هذا المسيح هو الله وهو إنسان وهذا هو التجسد، وهناك ذكر الموت في النهاية لكل إنسان والذي مر به المسيح على الصليب، وأخيرا يختم الكتاب بالآمين كما تختم الصلاة بآمين. وبأورشليم النازلة بالسلام من السماء هذه هي أمانة الله لوعوده، وهي الأمان الأخير نذكره بالصلاة ب “آمين“. وأخيراً، كما إن الكتاب المقدس يتضمن مشروع الخلاص وصلاة مريم هي صورة عن الكتاب فهي إذن صورة عن مشروع الخلاص، وهكذا فكل مرة يردد المؤمن هذه الصلاة يتقدم خطوة في تحقيق مشروع خلاصه.
لنصلي: يا أمنا مريم العذراء يا من ولدتِ مبدأ الحياة لأبناء أدم اجعلينا نجد في صلاتكِ المراحم، واسكبي علينا نعمة من كنوزكِ وسكني ألامنا بمراحمكِ يا مريم خلاصنا وفرحنا الأبدي والمجد السرمدي في يدكِ، تحنني علينا واحرسي حياتنا من كل خطر، منك نرجو الرأفة يا أم المخلص.