full screen background image

تأمل اليوم الأول من الشهر المريمي

4319

الشهر المريمي

تأمل اليوم الأول من الشهر المريمي

تاريخ الشهر المريمي

إعداد الأخت مارتينا

إن مريم العذراء بقولها كلمة “أنا أَمَة للرب” شاركت في التدبير الخلاصي، أي بخضوعها لله تعالى، ولذا فإن الكنيسة تكرّمها وتطلب شفاعتها بكونها والدة الله. حتى إن المسيح نفسه قد نفّذ رغبة أمه أثناء عرس قانا الجليل، لهذا الكنيسة تكرّمها منذ القدم، وقد خصصت لها صلوات وساعات وأيام وأسابيع وأشهر لتكريمها. إن شهر أيار هو الشهر الذي خصصته الكنيسة المقدسة لإكرام أمنا العذراء مريم. شهر أيار هو شهر الورود والجمال والحياة والتجدد، فكما إن الورد في شهر أيار يملأ الدنيا عطرًا وجمالاً، كذلك أمنا العذراء يفوح منها عطر قداستها وشفاعتها في سماء الكنيسة المقدسة والعالم أجمع. إن الأب حنا نادازي اليسوعي هو أول من وضع كتاب صغير يختص بالشهر المريمي فيه 31 تأملاً، وذلك سنة 1664، وسماه المحب لمريم. وأما الفضل في تعيين هذا الشهر لإكرام والدة الله فأنه يعود إلى أبوين يسوعيين هما الأب كسافير جاكولة السويسري، والأب انيبال ديونيزي الإيطالي. إن الأب كسافير قد طبع كتابه سنة 1724 في ديلغن في ألمانيا وسماه الشهر المريمي وترجمته (البتول الطاهرة وفضائلها). وأما الأب انيبال ألف كتاب مضمونه التعبّد لمريم في شهر أيار سنة 1726. ولكن قبل هذا كانت الكنيسة الغربيّة تكرّم مريم خلال شهر أيّار، بطريقة متواضعة ومحليّة دون انتشار واسع. ففي القرن الرابع عشر كان الراهب الدومينيكي هنري سوزو، في فترة تفتّح الورود، يدعو المؤمنين إلى تحضير أكاليل من الزهر والورود للعذراء الطاهرة. وفي العام 1549 طبع الراهب البنديكتي زايدل كتاباً عنوانه “شهر أيّار الرّوحيّ”، وفي الحقبة عينها كان القديس فيليب نيري يدعو الشبيبة إلى إكرام العذراء إكراماً خاصّاً في شهر أيّار، وكان يجمع الأطفال والشبيبة حول مذبح العذراء ليقدّموا لوالدة الله، مع الورود، الفضائل الروحيّة التي كانوا يريدون أن يعيشوها. أمّا في مدينة كولونيا الألمانية، فكان تلاميذ اليسوعيّين يقومون برياضة روحيّة في شهر أيّار إكراماً لمريم، وفي مقاطعة الألزاس، كانت جماعة من الصبايا المكرّسات تدرن من باب إلى باب لجمع الورود لتزيين مذابح العذراء خلال شهر أيّار. وفي القرن السادس عشر والسابع عشر بدأ الكبّوشيّون والفرنسيسكان بالاهتمام بهذا الشهر، فكتب الراهب الكبّوشيّ ثلاثين قصيدة مريميّة لإكرام العذراء في أيّار، وفي نابوليّ بدأ الفرنسيسكان يصلّون صلاة فرض العذراء في كنيسة القديّسة كلارا الملكيّة. أمّا الدومينيكان فبدأوا، سنة 1701، في مدن فييزوله وغريزانا وفيرونا وجنوا الإيطالية بتكريم مريم طوال شهر أيّار.

ومن إيطاليا انتقل هذا الإكرام المريمّي لشهر أيّار إلى فرنسا عشيّة الثورة الفرنسيّة، لكن خلال الثورة العظمى قد خَفتَ الإكرام لمريم البتول حيث كان الأب ألفونس موزارلي اليسوعي قد ألّف كتابه النفيس “الشهر المريمي” المطبوع سنة 1785 وهذا الأب له نفوذ كبير بين الكاثوليك وخاصة لأنه قد خدم الكرسي الرسولي ورافق بيوس السابع في منفاه إلى فرنسا. وبعد ذلك الحين اثبتوا الباباوات بسلطانهم الإكرام لمريم في شهر أيار وشجعوا على ممارسة الكتب المريمية لا سيما التي تختص بشهر أيار، ولم تنحصر عبادة الشهر المريمي في حدود قارة اوروبا بل تجاوزتها مع المرسلين الكاثوليكيين فازدهرت في أميركا وآسيا حتى انتهت إلى الشرق الأقصى. وبدأ هذا الشهر يأخذ أهمّيته في الشرق عامة وفي لبنان وسوريا وفلسطين خاصة، نتيجة لعمل المرسلين والمبشّرين اللاتين، من يسوعيّين وكبّوشيّين وفرنسيسكان ودومينيكان وآباء لعازريين، فانتشرت هذه العادة في ربوعنا وصار أيّار شهر مريم، وهو لم يكن بجديد على الشرقيّين الّذين بدأوا بإكرام مريم في أيار قبل دخول هذه العادة إلى الكنيسة الغربية بحوالي الألف سنة. إن الحديث عن مريم وتكريمها كثير جداً، لذا لا بد أن نعي المعنى الليتورجي لمريم العذراء أم الرب، لنكرّمها أحسن إكرام. إذ ليس في الأسماء بعد اسم يسوع اسم أحب على قلوب المسيحيين، كإسم مريم فهو حلاوة في قلوبهم.

لنصلي: يا أمنا العذراء مريم، أيتها الزنبقة الفوّاحة بعطر القداسة، إجذبي قلوبنا بأريجكِ السماوي، وأصغي إلى النداء الحار الذي يوجهه إليكِ كل قلب مؤمن. أمين.