full screen background image

الصوم وقت تمييز رحمة الله

801

الأخت حنان إيشوع

المقدمة

إن الكنيسة تدعو كل مؤمنة ومؤمن أن يتوقف عند هذه المحطة الخلاصية، محطة الصوم التي تساعده على إنعاش نفسه وتسهل عمل الروح فيه، فيتجدد روحياً، وتتغير حياته ويقترب من الله أكثر، بتوبة صادقة والإهتداء إليه، فيتمكن بالتالي من الإنفتاح على عمل الله في حياته فينال النعمة والمغفرة. وعليه، أقول بأن الكنيسة تريد المؤمن ان لا يبقى على حاله الأول، بل ان يتغيّر وتتجدّد حياته، وينمو روحيا من خلال التأمل، والصوم والصلاة. ففي الصوم يسمو المؤمن عن جسده وعن رغباته، وفي الصلاة يسمو بروحه ليتّحد مع ربه. وكأنَّ الصوم والصلاة معاً يحققان وحدة المؤمن في سموّه عن العالم، ليرتاح مع ربه الرحوم، ويجد عنده مصدر تجدّده في جسده وفي روحه.

الصوم والصلاة يساعدان إذا، المؤمن على فهم أفضل لرحمة الله، لكي يختبر في العمق، ما يعنيه أن يكون محبوبا من قبل الله. وهذا يتحقق فقط بعد أن يختبر المؤمن، محبة الله. فهي ليست علماً يُدرس ومن ثم يُدَرّس. فرحمة الله، تُختبر من ثم تتم الشهادة لها.

وعليه سأركز في موضوعي هذا، على توضيح بعض النقاط المهمة لمساعدة المستمع على التعمق في مفهوم الصوم كوقت لتمييز رحمة الله، وما يمكن أن يطلبه المؤمن في وقت الصوم؟

طلب نعمة الخجل

الرب واصل البحث عن آدم وحواء حتى بعد ان سقطا في الخطيئة، وهذا ما نعرفه من خلال الكتاب المقدس، وقال: “أين أنت؟ فأجاب آدم: سمعت صوتك في الحديقة وكنت خائف لأنني كنت عارياً، واختبأت” (تك 3/ 9-10). آدم سمع صوت الله وهرب من وجوده لأنه أدرك أنه كان عاريا. بعد الخطيئة والمؤمن أيضا عند سماع صوت الله يتكلم في حديقة وعيه، يختبئ في العار ويبتعد عن خالقه ومخلصه. ولكن الله يقول له: أين أنت؟ الله ينظر إليه دائما ويدعوه لمعرفة ذلك؛ وإذا عرف ذلك، لن يبقى خائفا وخجولا من بؤسه، لأنه يريد الحياة. لذا يجب عليه، ان يترك لله المجال ليجدده، وعليه أن يخرج كذلك من مخبئه، ليتعرف على خطاياه. لهذا السبب كان من الضروري أن يمتلك المؤمن تلك الفضيلة التي تعتبر أم كل الفضائل “التواضع”. يجب أن يكون متواضعا، ليتعلم حقا أن يخجل، وليكن على بينة من صغره أمام عظمة الله. لذا ليتواضع ويهيئ قلوبه لإستقبال الله وعقوله لتمييز حضوره الإلهي في حياته، فتتزين حياته بوجوده ولا يعود يخجل كآدم ويختبئ بل سيستقبل الله في حياته كملك.

هناك ترتيلة في الكتاب الطقسي لصلاة كنيسة المشرق الحوذرة الجزء الثاني ص69. هذه الترتيلة تشبِّه الصوم بملك، والنفس المؤمنة بمدينة. تقول الترتيلة: “ها قد أتانا الصوم البهي مثل ملك، فليزيِّن كلٌّ منا نفسه كمدينة تستقبل زعيمها. لنطهِّر قلوبنا من الإثم كما تنظَّف الأزِقّة، ولنُقِم العقل الصافي قائداً على أفكارنا. (كرئيس على الجماهير): ولنقدِّم لأبصارنا الكتب التي توفِّر الفهم لنا، ولنتضرَّع جميعاً إلى الرب قائلين: “ارحمنا”.

طلب نعمة التمييز

للأسف يشعر الإنسان في معظم الأوقات، أنه غير محتاج للتوبة لأنه لا يميز خطأه ولا يعترف به، ويقول: “بقدرة يدي صنعت وبحكمتي لأني فهيم” (إش 10/ 13). ولعلَّ هذا كان إحساس الابن الضال عند خروجه من بيت أبيه واحساس كل واحد عندما يرغب أن يفعل شيئا على الرغم من رفض الآخرين. وبالتالي يتأثر الإنسان ويبتعد عن الله من كثرة الانشغالات، ويختار طريق تحقيق الرغبات ويفضل ماديات هذا العالم فيقسو قلبه. لذا يضيع فرصة التوبة وينسى رحمة الله التي لا يتذكرها الا عندما يقع في مازق، حين يصرح بأن الله لن يسامحه لأنه خاطئ!

وعليه، عزيزي المستمع أقول لك على ضوء كلمات الكتاب المقدس: ابدأ دائما، فوقت الرحمة هو لله وتذكر خبرة لص اليمين. ليس من السهل الإيمان دائما في محبة الله التي تخلقك وتعطيك امكانية البدء من جديد. لأن خطاياك في بعض الأحيان تثنيك. تذكر ما يقوله الكتاب: “نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة، لأننا نحب الإخوة؟” (1يو 14/ 3). نعم الخاطئ يمكنه أن يثق حقا في حب الله. الخاطئ يمكنه أن يرجو الخلاص ورحمة الله كشعب نينوى. لكن تذكر هذا حتى لا تتأخر بطلب الرحمة، لأن الله الذي خلقك يمكنه إعادة خلقك. وهذا ينطبق حتى أكثر من عليك عندما تخطأ ويصبح هذا الخطأ معروفا. بحيث انك تتضع ليس فقط أمام الله بل أيضا أمام الشعب، وأنك تشعر بالخجل أمام الله وأمام الناس. حسنا، الله يقبل هذا الألم ككفارة عن الخطأ، لذا حينها ستدخل على الفور رحمته … وتخلقك. فالله هو الذي يخلق من لا شيء، يمكنه إعادة وإصلاح ما خرب وتدمر.

طلب نعمة الشفاء

لأولئك الذين كانوا ينتقدون يسوع لأنه كان يختلط بالعشارين والخطأة، يُجيبهم يسوع: “ليس الاصحاء بحاجة إلى الطبيب، بل المرضى” ثم يُضيف: “اذهبوا وتعلموا ما يعني هذا: “أريد رحمة لا ذبيحة” (مت 9/ 13). يدعوك يسوع كمؤمن بتعاليمه أن تتعلم ماذا يعني أن تكون رحيما، أو أفضل، يدعوك لمعرفة ماذا يعني أن تفضل الرحمة على الذبيحة. وسيكون حينها من الطبيعي، وفي الواقع، بعد أن اختبرت رحمة الله تجاهك، ان تبادله بالمثل مع بعض التقادم، أو بالعبادة، أن تقدم شكرك من خلال الصلاة، وربما تقديم بعض علامات التوبة كعلامة ادراكك (لهذه الرحمة). ولكن يسوع يريد الرحمة منك ايضاً.

السؤال يبقى يتردد: من الذي يمكنه أن يعلمك أن تكون رحيما، تماما كما يريد يسوع؟ فمن الواضح: يسوع نفسه! فهو الراعي الصالح الذي يذهب في البحث عن الخروف الضال؛ فهو وعلى الصليب يُصلي إلى الآب أن يغفر لأولئك الذين خانوه وصلبوه، فهو الذي أعطى حياته لخلاصنا. لمعرفة ما تعني “الرحمة”. لذا يجب عليك، أن ننظر إلى يسوع. فهو قد قال: “من رآني فقد رأى الآب” (يو 9/ 14). إذا نظرت إلى يسوع، حياته، سلوكه، ستتعلم حتما أن تكون رحيما.

طلب نعمة التوبة

من الضروري جدًا أن تطلب نعمة التوبة، لأنك تعيش في جيل لا يعترف باستعمال كلمة “خاطئ” وقد يصعب عليك أن تعترف بذلك. لذا حاول أن تتوقف عند بعض المحطات الضرورية التي من خلالها تفهم أهمية التوبة: فكرك يقبل المسيح فتعرف الطريق الصحيح وتعيش حياة ترضي الله، قلبك يحب الرب ويطلب التغيير لتنال نعمة الحياة الجديدة، فتتبعه بإرادة. ولا تنسى بأن التوبة تعني التغيير بالمعنى الكامل للكلمة، لأنها تعني اخضاع مقومات كيانك كله لمشيئة الله.

خاتمة

وفي الختام، أقول لك بأن الصوم هو زمن توبة ومعرفة الذات؛ زمن صلاة والتقرب الى الله، زمن مساعدة ومحبة القريب، من خلال المصالحة والمغفرة. في الصوم تموت عن ذاتك لتعبر في المسيح إلى القيامة.