full screen background image

نعم مريم والميلاد

1226

اعداد الاخت حنان ايشوع

لكي نفهم “نعم مريم” علينا ان نقرأ الكتاب المقدس جيدا، لأننا نتأمل بـنعم قيليت “للرب إلهنا، الذي تنازل ونظر إلى السموات والأرض؟” (مز 113/5). تنازل نحو الأسفل، وهو الفائق العظمة، لذا توقفت مريم قبل ان تقول “نعم”، لأن هذه كانت أول خبرة للإنسان مع الله. وهذا هو حالنا عندما نتأملها فنشعر بان المسافة تبدو لا متناهية، فالذي لا أحد مثله، “الجالس في الأعالي”، نظر وانحدر إلى الأسفل. نظرة الله إلى الأسفل هي أكثر من نظرة من الأعالي. نظرة الله هي عمل، لأنها ليست مجرد رؤية، لأنه ينظر إليَّ، يغيّرني ويغير العالم من حولي، أي ان نظرة الله تنهضني، وبحنوّ تأخذ بيدي، وتساعدني أنا على الصعود، من الأسفل إلى الأعالي (الإرتقاء). “ينحني الله”، تلك الكلمة النبوية في ليلة بيت لحم، أخذت معنى جديدًا تمامًا، حيث أصبح انحناء الله لا مثيل له، ولا يمكن تصوره، وحقيقيًا. إنه ينحني، أي يطلب يأتي، هو بذاته، كطفل ومن امرأة. الله ينزل حقاً. يصبح طفلاً ويضع ذاته في حالة إعتماد تام على الآخرين (حالة المولود الجديد). الخالق الذي يمسك بكل شيء بيديه، يصبح صغيرا، يحتاج إلى المحبة البشرية.

في العهد القديم، كان الهيكل يعتبر كموطىء لقدمي الله؛ والتابوت المقدس هو المكان الذي فيه يحضر الله بين البشر بطريقة سرية. وهكذا كان البشر يقولون بأنه فوق الهيكل، كان هناك – وبطريقة خفية – سحابة مجد الله. هذه السحابة هي الآن فينا وبيننا. ولكن اين نحن من إنحناء الله ونعم مريم ومن تواضع بيت لحم؟

يروي لنا الإنجيلي لوقا، بأن الله رفع حجاب خبائه أولاً أمام أشخاص وضعهم متردّ، أمام أشخاص يهملهم المجتمع الكبير “الرعاة” الذين في الحقول بالقرب من بيت لحم، كانوا يحرسون حيواناتهم. هؤلاء الرعاة كانوا “مغمورين” بمجد الله، بسحابة النور، وكانوا في حميمية بهاء هذا المجد.

في غمرة سحابة النور هذه، يصغون إلى نشيد الملائكة: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام لأبناء رضاه”. ومن هم أبناء رضاه سوى الصغار، الساهرين، المنتظرين، الذين يترجون صلاح الله ويبحثون عنه وهم ينظرون إليه من بعيد. 

كل هذا يعني بان الهنا حاضر حيثما لا يريد البشر أن يجعلوا بقدرتهم من الأرض فردوساً، بلجوئهم إلى العنف. إنه حاضر مع أصحاب القلوب الساهرة؛ مع المتواضعين ومع الذين يفهمون عظمته، عظمة التواضع والمحبة. إلى هؤلاء، الله يمنح سلامه، لكيما بواسطتهم يحل السلام في العالم. اللاهوتي غوليلمو دي تييري قال: “الله – منذ آدم – أرى بأن عظمته تخلق مقاومة في الإنسان؛ وبأن الإنسان يشعر محدوداً وبأن حريته مهدّدة. وهكذا فقد اختار الله طرقاً جديدة. لقد أصبح طفلاً. بات ضعيفاً ومحتاجاً لمحبتنا ليكون بمقدورنا قول “نعم”.

الآن، هذا الإله الذي صار طفلاً، يقول لنا: لن تخافوا مني بعد الآن، يمكنكم فقط أن تحبونني. آمين