full screen background image

الكنيسة البيت الالهيّ وجسدٌ للمسيح السرّي!

199

بقلم الأب صباح

ندخلُ هذا الأحد موسماً جديداً من السنة الطقسية الكلدانية، يُسمّى (تقديس الكنيسة). مدّته أربعة آحاد. في كتاب الحُوذرا يعطي للزمن أسمين:
الأول: “التجديد”( ܚܘܕܬܐ )، وتعني عيد تجديد وتكريس هيكل أورشليم (١ ملوك ٨). أُدخلَ هذا العيد إلى الليتورجيا المسيحية، ومن ثمّ اعطوه معنىً روحياً – لاهوتياً عنوانه: (التأمل بصفات الكنيسة جسد يسوع السرّي، أي شعب الله).
الثاني: “الدخول” (ܡܥܠܬܐ)، حيث المشارقة يُدخلون الصلوات من فناء الكنيسة إلى داخل الهيكل. إنّ تغيير أماكن الصلاة هذه تقوم على النحو التالي:
١.موسم الصيف: حيث تُقام الصلوات طيلة هذه الفترة في فناء الكنيسة والتي تبدأ من عشية عيد الصعود وإلى الأحد الأول من تقديس الكنيسة.
٢.موسم الشتاء: تعود الصلوات من جديد إلى البيم داخل الهيكل والتي تبدأ عشية الأحد الاول من تقديس الكنيسة وإلى عشية عيد الصعود.

نشأة الكنيسة:
يروي لنا الإنجيلي لوقا قصة اختيار يسوع الرسل الإثني عشر: (وفي تِلكَ الأَيَّامِ ذَهَبَ إِلى الجَبَلِ لِيُصَلِّي، فأَحْيا اللَّيلَ كُلَّه في الصَّلاةِ لله. ولـمَّا طَلَعَ الصَّباح دعا تَلاميذَه، فاختارَ مِنهُمُ اثَنيْ عَشَرَ سَمَّاهم رُسُلاً)” (لوقا ٦: ١٢- ١٣). إن معنى صلاة الرب هذه لطيلة الليل، كي يضع بصمته على تاريخ البشرية. إذاً من خلال هذا الإختيار طبعاً كانت الكنيسة. نفهم من ذلك إنها كانت في مخططه الإلهي منذ البدء وإلى الأبد ويتواصل حضورها بقدرة الرب وهذا ما أكّده لبطرس: (أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت) متى ١٦: ١٨.

مزايا الكنيسة:
في الفصل الأول من نور الأمم، لاحظ آباء المجمع الفاتيكاني الثاني أنّه “لتنفيذ إرادة الله الآب، إفتتح المسيح ملكوت السماوات على الأرض كاشفاً بذلك سر المملكة. إذن الكنيسة، بعبارة أخرى “هي مملكة المسيح الحاضرة الآن بشكل سرّي، تنمو بشكلٍ مرئي من خلال قوّة الله في العالم. وهذا التأسيس يرمز لهما بـ “الدم والماء” اللذين تدفقا من جنب يسوع المفتوح على الصليب” (يوحنا ١٩: ٣٤). وبالإضافة إلى هذا الوصف، فلقد أُعطي للكنيسة صفات أخرى: “الحظيرة، المبنى، الجسد، العروس”، وجمّلوها بمزايا ( واحدة، مقدّسة، جامعة ورسولية).

  1. الكنيسة حظيرة: فالكنيسة هي المدخل الوحيد والضروري الذي هو المسيح، (يوحنا. ١٠: ١- ١٠). والمسيح يرعى كل القطيع، لانه الراعي الصالح، (يوحنا ١٠: ١١)، وبما اننا القطيع الموجودين في حظيرتها، فهي تسعى ليس فقط في تمجيد الرب لكن لأجل افتدائنا. فبواسطة الكنيسة، نندمج في حياة الله ذاتها. علاوة على ذلك، من خلال سرّ المعمودية، نتنقى بمياهه ونتحرّر بمفاعيله من قوّة الظلمة وهكذا سنكون أهلاً للدخول في حياة وحدة الثالوث.
  2. الكنيسة مرج: وهذا ما أكّده الرسول بولس قائلاً: (فإنّنا نحنُ فلاَحةُ الله، بناءُ الله)، “١ كورنثس ٣: ٩”. قد زرعها المزارع السماوي ككرمٍ مختار. (متى ٢١: ٣٣- ٤٣). يركّز الإنجيلي يوحنا على كلمة الكرمة قائلاً: “أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرّام”، (يوحنا ١٥: ٢). لذا وكأعضاءٍ في الكنيسة والكرمة الحقيقية، فنحن مدعوون للشهادة وكشهودٍ للحقيقة التي انبثقت من جنب المسيح على جبل الجلجلة، سائرين بهدي الروح القدس، طائعين لتعليم السلطة الكنيسة.
  3. الكنيسة مبنى: فالمسيح نفسه موجود في وسطها، حجراً حيًاً، وقد فسّر ذلك الرسول بطرس في رسالته قائلاً: (كونوا أنتُم مبنيين كحجارةٍ حيّةٍ بيتاً روحيّاً)، “١بط ٢: ٥ “، اي نحنُ هنا على الأرض مبنيّون عليها (الكنيسة). وبالرغم من رفض البناؤون لهذا الحجر، لكنّه صار رأساً للزاوية، وهذه العبارة نجدها في صفحات الكتاب المقدس كما في (متى ٢١: ٤٢)، (أعمال الرسل ٤: ١١)، (١ بط ٢: ٧ )، مز ١١٨: ٢٢).
    لقد بنيت إرسالية الكنيسة على الرسل، وبالمعمودية، نحن مندمجون في جسد المسيح، مندمجون في الكنيسة، مبنيّون معاً بالروح، مبنيين في بيتٍ يعيش فيه الله، مبنيّاً في شعبٍ مُقدّس، مبنيّاً في كهنوتٍ ملوكي، وبرباطِ وحدةٍ سرّيةٍ يربط بين الجميع الذين قد إنضمّوا وكرّسوا حياتهم في رحلتها.
  4. الكنيسة جسد: إنها عنوان وحدة متنوعة. وهذا ما أكّده الرسول بولس لأهل قورنثس قائلاً: (أُناشِدُكُم، أَيُّها الإِخوُة، باِسمِ رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَن تقولوا جَميعا قَولاً واحِداً وأَلاَّ يَكونَ بَينَكُمُ اختِلاقات، بل كُونوا على وِئامٍ تامّ في رُوحٍ واحِدٍ وفِكرٍ واحِد.)،(١كور ١: ١٠). لذا فنحن مدعوون إلى هذا الإتحاد بالمسيح، ليوحدنا بالله أبيه، لأننا بهِ نحيا ونتحرّك ونوجد (أعمال ١٧: ٢٨). ولأنّنا أعضاء لهذا الجسدِ الواحد، يجب أن نظلَّ أمناء للكنيسة التي هي جسد المسيح السرّي، وملتزمين بتعاليمها. وبعملنا هذا نكون حقّاً مُخلصين لكلمات يسوع في صلاته الكهنوتية، يدعم فيها رسله طالباً من ابيه السماوي بان: (يحفظهم، يقدّسهم، يوحدهم…)، وبدعواه هذه لا يشمل فقط تلاميذه وَحدَهم بل يدعو أَيضاً لِلَّذينَ يُؤمِنونَ بي عن كلامِهم. (يوحنا ١٧: ٨- ٢٢).
    إذن، معاً وعبر الكنيسة سنصبح مسكناً روحياً لالهنا وملجأً أمينًا لكل من يطرق بابها، وحينها سيزداد شغفنا بأن نُفاعل كلمات المزمّر حينما قال: (فَرِحتُ حينَ قيلَ لي:” لنَذهَبْ إِلى بَيتِ الرَّبّ”).(مز١٢٢: ١).