الأخت بشرى حنا
من نشرة العهد
الكلمة في العهد القديم:
- أنا هو الرب الذي انتشلك من العبودية.
أنا يهوه، إلهك، الذي أخرجك من أرض مصر، من دار العبودية (تث 5/6). هذه الكلمات الأولى لا “تأمر” بشيء. واحد يتقدم فيقول: “أنا … صوت… شخص… ويستشهد، لا بسلطانه، ولا بحقوقه، ولكن بحبه المعلن بصوت صارخ: “أنا يهوه إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من دار العبودية”.
لم يَظهر الرب بصفته خالقًا ليُعلن شركة العهد. يهوه لا يقدم نفسه هنا بما هو عليه، بل بما صنع ويريد أن يصنع أيضًا لأجل شعبه لأجلنا.
ولكنه يدعى بالاسم الحقيقي الذي به ظهر لموسى في العُليقة الملتهبة “يهوه” “أنا هو” “سأكون معك، قربك، لأجلك” اسم الله هذا، هو دائمًا مرتبط بحدث الخروج. فاسم يهوه يُعرف هكذا الى الأبد بأنه “ذاك الذي يقتلع من العبودية”[1].
حدَّث الرب موسى: “أنا هو الرب إلهك” (تث 5:6)، وقال لشعبه بلسان هوشع بعد أن عاد عن خطيئته: “حينئذٍ تدعونني إلهي وانا ادعوكم شعبي”، وقال بلسان إرميا: “أجعل شريعتي في ضمائرهم، واكتبها على قلوبهم، واكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا”. الرب هو هنا حاضر في حياة شعبه منذ أيام الخروج من مصر سمع صراخ شعبه وجاء ليخلّصهم. الله هو هنا في الخلق، منذ البداية. فهو الوجود منذ الأزل، وهو الذي “في البدء” خلق السماء والأرض. لم يكن هناك أي شيء وبكلمة الله وُجدَ كل شيء. قال المزمور(33:9): “فكان كل شيء، وأمر وخلق كل موجود”. انه حاضر ووجوده يفرض نفسه، هو لا يحتاج الى شرح وتفسير، وانه كالمحب يفرض نفسه علينا، ساعة لم نكن ننتظره، نجده في أعماق قلوبنا. يئسَ جدعون من الحالة التي يتخبط فيها شعبه فقال: “إن كان الله معنا فلماذا أصابنا هذا كله؟” (قضاة 6:13) ولكن الله كان في تلك الساعة هناك. فقال لجدعون: “سأكون معك” (قضاة 6:16).
الله حاضر، الله يتكلم، إنه إله حي. هذا ما يردده الكتاب: “حيٌّ الله! يهوه هو الحي. ويختلف عن آلهة الأمم الجامدة التي لها عيون ولا ترى وآذان ولا تسمع وأفواه ولا تتكلم. أما الله فهو لا يتعب ولا يحس بالإعياء (إش 28:40). هو الذي لا ينعس ولا ينام (مز 4:121) ذُلَّ شعبه فرآه، صرخَ شعبه فسمعه، تألم شعبه فعرفه بآلامه واتخذ قراره: سوف يرسل من يُخلّص شعبه[2].
قال الله: “أكون لكم إلهًا وتكونون لي شعبًا” (خر 7:6). هذه العبارة تدل على علاقة الله مع شعبه كما تمت على جبل سيناء. فالله إله غيور (5:20). وهو لا يريد أن يتعلق شعبه بأحد سواه. لم يعد فقط إله الآباء وإله العاصفة وإله الحرب، إنه إله شخصي اختار له شعبًا وخصّ به نفسه كما يختار العريس عروسه. إنه الإله الذي يتحنن (خر 6:20)، الإله الذي يحب[3].
حين كان إبراهيم، أبونا في الإيمان، في شمال ما بين النهرين، كان وثنيًا بين عابدي الأوثان، لكنه حين سمع الصوت القائل له: “اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك، الى الأرض التي أُريك، فأجعلك أمّة عظيمة، وأباركك وأعظّم اسمك وتكون بركة، وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعن. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض” (تك 12: 1-3).
بدأ شيء جديد، كانت تلك هي المرة الأولى خاطب فيها صاحب ذلك الصوت إبراهيم، فارتبط بإبراهيم، أصبح إله إبراهيم ملتزمًا به. في تلك الساعة وعدَ بأن يكون مع إبراهيم دائمًا وأبدًا، في السرّاء والضرّاء.
أناس كثيرون يعتبرون الله شيئًا حاضرًا جاهزًا على الدوام، الله عندهم شيء طبيعي بديهي. الشيء المهم بالذات هو ما علينا نحن أن نفعله، واجباتنا، ليس ذلك الاعتبار صحيحًا. هناك شيء يسبقه، الشيء الأهم بكثير: الله يريد أن يكون إلهنا، إنه يلتزم، يفعل شيئًا لصالحنا، إنه أطلق سراحنا من بيت العبيد، أنه صنعنا، جعلنا ما نحن عليه[4].
الموضوع يتبع
[1] تيودول ري مرميه، الخليقة (نؤمن)، ص169 – 170.
[2] بولس الفغالي، البدايات أو مسيرة الإنسان الى الله، محطات كتابية (11)، ص222 – 223.
[3] بولس الفغالي، الإيمان وسر الخلاص، محطات كتابية (8)، ص53.
[4] الأب كوب المخلّصي، مخطوطة، كورس دراسي، ص13.
الكلمة في العهد القديم: