ارتكاب خطأ هو حدث، جزء من الحياة، وليس الظرف الوحيد والنهائي. هذا ما أكد قداسة البابا فرنسيس في مقدمة لكتاب للأب بينيتو جورجيتا يحاور فيه عضوا سابقا في المافيا يتعاون اليوم مع العدالة. يحمل الكتاب عنوان “لنعبر إلى الشاطئ المقابل”، ومؤلفه الكاهن بينيتو جورجيتا هو راعي كنيسة سان تيموتيو في تيرمولي بمقاطعة موليزي الإيطالية والمتطوع في سجن مدينة لاتينا ومسؤول مركز “إيكتوس” الذي يستضيف سجناء في حرية مراقَبة أو شبه حرية أو تم إيكالهم إلى الخدمات الاجتماعية، وقد نشر كتابه مباشرة على منصة Youcanprint.
وفي مقدمته لهذا الإصدار يتحدث البابا فرنسيس عن أهمية التصحيح الأخوي لمن أخطأ واصفا هذا بفعل محبة إزاء الأخ. ويشدد الأب الأقدس على أن هذا لا يعني الشعور بفوقية أو بأننا أفضل، بل هو مجرد أن نتوجه لمساعدة الآخر على تجاوز الصعاب ودعمه في مشكلته، لأنه في هذه اللحظة ضعيف ويمكن أن ينهار. وتابع البابا أن عملية التصحيح الأخوي هذه لا تعني لوم الشخص على الخطايا بل أن نكون قريبين منه ونساعده على تجاوزها، السير معه من أجل الشفاء أو بداية عملية الشفاء. ويقول الأب الأقدس إن الآخر يشفى لأنه يشعر بحبنا ويتملكه حنين إلى المحبة. وفي حال تركنا الشخص في الخطأ، بدون تصحيح، واصل البابا فرنسيس، نصبح مشاركين في المسؤولية، وإن لم نساعده نكون متقاعسين عن الإنقاذ مثلما يحدث في حوادث السير حين يمر البعض بدون توقف.
واصل البابا فرنسيس في مقدمة الكتاب مشيرا إلى أن هناك ما يشبه خوفا من العدوى من الخاطئ، ولكن يجب بالأحرى الاهتمام به وعمل ما يمكننا لإنقاذه. وفي حديثه عن كيفية القيام بهذا يقدم قداسة البابا عددا من الإجابات العملية والمحددة، ففي المقام الأول يجب أن نعطي هذا الشخص ما هو في حاجة إليه ومحبته بصدق والمعاناة لما يرتكب من خطايا، ثم الصلاة من أجله، وذلك لأن الصلاة، وحسب ما ذكر الأب الأقدس، تجعل مني يد الله على هذا الشخص، علامة عطف الله الأبوي من خلال حضوري، ثم سيفعل الروح القدس الباقي.
من الضروري بالتالي القيام بخطوة أولى حسب ما يدعو البابا منتقدا النظر إلى الآخر بتعالٍ وفوقية. وأضاف قداسته أن هذا ما نجد له مثالا ملموسا في قصة بطل الكتاب الذي يحاوره الأب جورجيتا، فقد أصبح باختياره الشجاع والمُخاطر بذرة رجاء أُلقيت في شقوق مجتمع منشغل بأموره فقط، غير منتبه إلى ما يهم بالفعل. وواصل البابا فرنسيس متحدثا عن بذرة رجاء أيضا في الأرض التي تصيبها آفة المافيا، ومثل أية بذرة يمكنها أن تزهر حين يرويها المطر. وهكذا يمكن لشهادة رجل من المافيا أن تتجذر في الضمائر وفي حساسية مَن يتطلع إلى مجتمع تتوفر فيه فسحة لحقوق الأشخاص، للشرعية، ولكرامة معترَف بها للجميع وخاصة للأكثر ضعفا وهشاشة، إقصاءً وتهميشا. وتحدث الأب الأقدس من جهة أخرى عن أن ما يقدم عضو المافيا السابق والمتعاون مع العدالة لويجي بونافنتورا من إجابات، أو بالأحرى شهادات، في الكتاب الحوار تشكل عرضا غنيا لحياة معذَّبة لشخص مشبَّع بالمافيا وأفكارها تصرَّف بشكال مخالف للقانون، إلا أنها في الوقت ذاته ومضة نور وحياة جديدة، لأن هذا الشخص قد ابتعد عن منطق الشر وانفتح على رؤية جديدة.
هذا وفي ختام تقديمه للكتاب يؤكد قداسة البابا فرنسيس أنه يمكن، بل يجب، التغيير، وألا يظل الأشخاص مدفونين فيما ارتكبوا من شر. يمكن العبور دائما إلى الشاطئ المقابل حتى وإن كان هذا الابحار شاقا ومحفوفا بالمخاطر. المهم ألا يشعر الأشخاص بأنهم بمفردهم، بل أن يشعروا بأن هناك مَن يرافقهم. تماما كما قال يسوع لتلاميذه أن يعبروا إلى الشاطئ المقابل، وهو معهم، لا بمفردهم.