ترجمة وإعداد: الأب صباح كموره
تقدّم لنا الأناجيل الأربعة والتي تسمى البشرى السارة، حياة، تعاليم، آلام، موت، وقيامة ربنا يسوع المسيح. كُتبت كل منها في اليونانية بعقود بعد موت المسيح (حوالي 30 م) لمجتمعات معينة. الأناجيل ليست سيرًا ذاتية. لكنها وثائق لاهوتية كتبها أناس مؤمنون لغرض تحديث الإيمان وتنميته. لقد كتبوا بكل ثقة أن المسيح القائم من بين الأموات يبقى مع تلاميذه في مواقف وأزمنة وثقافات جديدة.
مرقس ومتى ولوقا ويوحنا:
- كُتب إنجيل مرقس في روما حوالي عام 70م.
- كُتب إنجيلا لوقا ومتى بين 75- 85 م، لمجتمعات في أنطاكية وفلسطين (إسرائيل). إعتمد مؤلفا متى ولوقا بشكل كبير على رواية مرقس. كما أضافوا وطوروا مادتهم الكتابية من مصادر أخرى ثم سُلّمت لهم، بما في ذلك قصص وأقوال المسيح.
صاغ كل كاتب قصة يسوع ورسالته لتلبية احتياجات المجتمعات الدينية التي كتبوا من أجلها… يُطلق على مرقس ومتى ولوقا الإناجيل الإزائية (رؤية واحدة)، بسبب صلاتهم الوثيقة ببعضهم البعض.
- كُتب إنجيل يوحنا بعد سنوات من اكتمال الأناجيل الإزائية، أي حوالي ٩٥-١٠٠ بعد الميلاد، كُتب على عدة مراحل، موجهاً رسالته إلى مجتمع مسيحيي أفسس، الذي أسسه في الأصل پريسقيلا وأكيلا وبولس. كان هذا المجتمع يتأمل ويفكر بعمق ويناقش شخصية يسوع ومعاني رسالته.
يسوع في الروايات الاربعة:
- يشير إنجيل مَرقُس إلى أن المسيح هو “إبن الإنسان” المتألم. اي إن آلام يسوع وموته هي السائدة في إنجيل مرقس. لذا نجد في جزئه الأول، الإجابة إلى تساؤل (من هو يسوع؟)، إنه إبن الإنسان المتألم والبار، وكذلك هو إبن الله. يذكر مرقس، الشفاءات التي قام بها يسوع لكثيرين من الناس. ويركز على أبعاد الصلاة في حياة الرب والتي كانت جزءاً مهماً في حياته. كما ويوضح في إنجيله من أن يسوع يحمل مشاعر كبيرة حيث يتأثر بعمق وبرأفة مع من يعاني، وأحياناً يُظهر غضب الرب في نواحٍ أخرى. وقد تجلى ذلك حينما أراد بعض الناس أن يصرخوا معلنين بأنه المسيح الموعود به، ولكن ما أراده يسوع هو أن يبقي ذلك الأمر سراً. يروي مرقس في كتابه شفقة المسيح على الحشود فيبدأ أولاً بتعليمهم ثم يوفر لهم طعاماً ويُقيت الجموع بالرغم من عجز التلاميذ في توفير الطعام. يواجه يسوع معارضة متزايدة، وخصوصاً حينما إزداد عدد أتباعه. يتضح أن تكلفة رسالة يسوع لجلب ملك الله (أو ملكوته) على الأرض باهظة، ليدُلّنا ويفهمنا إلى أنّ التلمذة ليست بالأمر السهل. يساعد يسوع أتباعه تدريجياً على فهم أن الألم جزء من رحلته ورحلتهم ( الرسل). غالبًا ما يخطئ التلاميذ في هذه القصة، لكنهم يُصرّون في البقاء مع يسوع. يشير مرقس في إنجيله، من أن يسوع يخاف الموت، فيموت وهو يبكي من شدّة الألم. أما قصص القيامة فقصيرة جدا لدى مرقس. يعتقد العديد من علماء الكتاب المقدس أن هذا الإنجيل قد كُتب من أجل مجتمع يعاني من الإضطهاد لأنهم قرروا إتّباع يسوع.
رمز الإنجيلي مرقس هو الأسد، حيث بدأ إنجيله بالحديث عن يوحنا المعمدان، “صوت صارخ في البرية” وكأنه صوت أسدٍ قويٍ ومُهيب يصدح في برية هذا العالم المضطرب.
- 2. يسوع في متى: إنّه موسى الجديد، صاحب الشريعة الجديدة وإن رسالته موجّهة إلى كل العالم. كُتب هذا الإنجيل لمجتمع يضم مسيحيين يهود والذين كانوا يعانون من قطيعة قسرية مع اليهودية ومسيحيين أمميين (غير يهود). تم تلخيص شريعة يسوع الجديدة في جزء من الإنجيل دُعيت العظة على الجبل “التطويبات” (متى ٥: ١-٧: ٢٨).
يبدأ إنجيل متى بقصص الطفولة، ويرويها بشكل أساسي من منظار يوسف. ثم أعلن يسوع (ملكوت السموات) الذي يشبهه ب “كنز مخفي في حقل… تاجر يبحث عن لآلئ، ليجد لؤلؤة واحدة ذات قيمة كبيرة… باع كل ما لديه واشتراها” … (متى ١٣: ٤٤-٤٦). عندما تنتهي الحياة الأرضية ويقترب الزمن، سنُدان على الطريقة التي تعاملنا بها مع أفقر شريحةٍ من شعب الله وأكثرهم ضعفًا؛ (كنت جائعًا وأطعمتني، كنت عطشانًا وسقيتني، كنت غريبًا وآويتني) (متى ٢٥: ٣٤ – ٣٦). يُصوِّر متى لحظة ممات يسوع، بتمزق حجاب الهيكل إلى قسمين، وهذا رمز لنهاية العهد القديم وبداية شيء جديد ولكن بشكل جذري، (متى٢٧: ٥١). يختم إنجيله عندما يرسل يسوع القائم من بين الأموات رسله في مهمة إلى العالم؛ “اذهبوا وتلمذوا كل الأمم … وتذكروا، أنا معكم دائمًا حتى نهاية الدهر” (متى ٢٨ ، ١٩- ٢٠).
رمز الانجيلي متى هو الإنسان أو الملاك، يبدا إنجيله بنسب يسوع، فيذكر عبارة “إبن الإنسان” ثلاثون مرة.
- يسوع في إنجيل لوقا: شمولية رسالة الرب والذي يضمّ الكل ومرحباً بجميع العالم. أي إن كل فرد ينتمي إلى هذه الرسالة. كتب الإنجيلي لوقا لمسيحيين يتحدثون اليونانية (غير اليهود). يسرد لوقا في إنجيله طفولة يسوع، مُلمّحاً منذ البداية؛ من أن يسوع للجميع. يذكر متى الطبقة الفقيرة الرعاة وهؤلاء مرحب بهم عند ولادته أكثر من الآخرين. أي إن الرسالة موجهة لجميع أصحاب الإرادة الصالحة (لوقا ١: ٨-١٨). يركز في إنجيله على أهمية حضور مريم في رواية الميلاد. فيؤكّد على إيمانها العميق ليكتب عن مشاعرها حيث تُنشِدُ عن عدل الله ورحمته، وتفكر بما يفعله الله (لوقا ١: ٤٦-٥٦ و ٢: ١٩). بعد قصص الولادة والطفولة، هناك رحلة إلى اورشليم، مكان آلام يسوع وموته وقيامته. تمثل هذه الرحلة الجغرافية رحلة حياة يسوع (والتي تشمل كل حياة!). وهناك قصص عن الضيافة والطعام في الطريق. الجميع مدعوون والجميع ينتسب إلى الرسالة. تبرز النساء بقوة بين تلاميذ يسوع. يتم بشكل واضح عرض خدمته لشفاء الانفس. وغالبًا ما يكون مع الفقراء والمنبوذين، خاصة أولئك الذين يُعتبرون خاطئين من قبل الغير. يسرد كلمات يسوع في العشاء الأخير: “هذا هو جَسدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم.. هذِه الكَأسُ هي العَهدُ الجَديدُ بِدمي الَّذي يُراقُ مِن أَجْلِكم”(لوقا ٢٢: ١٩- ٢٠). واخيراً موت يسوع يحمل كلمات الغفران. يتم التعرف على يسوع القائم من بين الأموات وهو يسير بجانب التلاميذ أثناء رحلتهم على طريق عماوس. واخيراً أرسل يسوع تلاميذه لمواصلة مهمته إلى أقاصي الأرض. يواصل كتاب أعمال الرسل، وهو المجلد الثاني للمؤلف نفسه، القصة.
رمز لوقا الإنجيلي هو الثور، إذ ابتدأ إنجيله ببشارة زكريا الكاهن في الهيكل. والثور هو ذبيحة الهيكل كما ورد في العهد القديم وهو رمز للذبيحة النهائية والخلاصية ليسوع المسيح.
- يسوع في إنجيل يوحنا: تجلي الحبّ الأعظم!، ملخص كتابه نجدها في عبارته ( لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا، وهُوَ أَنْ يَبْذُلَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ في سَبِيلِ أَحِبَّائِهِ )(يوحنا ١٥: ١٣).
لقد كتب يوحنا إنجيله إلى مسيحيي أفسس، تلك المدينة الساحلية في تركيا، حيث خدم پريسقيلا وأكيلا وبولس وآخرون قبل ذلك بسنوات. لقد عانى ذلك المجتمع من الإضطهاد وفقدان العلاقات مع اليهودية التقليديون. ولعقود من الزمن، كانوا يصلّون ويفكرون في شخص ومعنى يسوع المسيح.
على عكس الأناجيل الأخرى، يبدأ يوحنا إنجيله من أنّ يسوع هو كلمة الله. إنه ألمرسل من قبل الله الآب وقد أتى إلى العالم لأن الله أحبه (يوحنا ١: ١٤ و ٣: ١٦). لقب يسوع المفضل هو إبن الإنسان.
أولئك الذين يرون ويسمعون يسوع، سيواجهون تحديًا لاتخاذ قرار، وهذا ما يكشفه لنا في قصة شفاء الاعمى، “أَتُؤمِنُ أَنتَ بِابنِ الإِنسان؟ (يوحنا ٩ ، ٣٥). أي إن هناك عواقب لقبول أو رفض الوحي الذي يأتي به يسوع. كما ونجد في إنجيل يوحنا، من أن يسوع يريد ملء الحياة للجميع، “أَمَّا أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم.” (يوحنا ١٠ ، ١٠). يركز يوحنا على الإيمان الذي يحيا في العلاقات. يكشف يسوع عن إله المحبة، ويعلّم تلاميذه من أنه سيتم التعرف عليهم من خلال محبتهم لبعضهم البعض (إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي)(يوحنا ١٣: ٣٥). فأعظم حب هو أن يبذل المرء حياته من أجل الآخرين. ولمساعدة التلاميذ على فهم ما يعنيه هذا، غسل يسوع أقدامهم. والفعل الأخير ليسوع جاء قبل عيد الفصح هو إنه أخلى ذاته حتى النهاية بفعل محبته العظيمة (يوحنا ١٣ : ١). وفي لحظة الموت، ينفخ يسوع روحه على المجتمع الصغير المتجسد في مريم والتلميذ الحبيب، الذين يظلون معه حتى مماته. يعطي يسوع القائم من الموت: (السلام والقوة لمغفرة الخطيئة). وأخيراً يطلب الإيمان والمحبة لأولئك الذين سيكونون (رعاةً، مكانهُ، ليقول: “ارع غنمي”…) (يوحنا ٢١ ، ١٥-١٧).
رمز الإنجيلي يوحنا هو النسر: فكما يُحلّق النسر ويرتفع السماء، كذلك ارتقى يوحنا بكلامه إلى الأعالي ليصل إلى لاهوت المسيح قائلاً إن يسوع الكلمة، وهو إبن الله وهو الله…
ولمناسبة تذكار الإنجيليين الأربعة ، إليكم ترتيلة مترجمة من صلوات طقس كنيستنا الكلدانية (الحوذرا):
“أُعلنت بشارتهم الى الارض كلها: باربعِ كُتّابٍ ختم الملك كرازة تعاليمه إلى جهات الكون الأربعة. فمتّى الكاتب الاول الذي كتب عن الأمور الخفية. ومرقس إقتفى آثاره مُفسّراً ألكتُبْ. ولوقا بقوّة كلماته أُرسِلَ إلى المرتابين. ويوحنا كشف بكلمته، المولود من الآب وابن كينونته. والآخرون الثمانية والسبعون. شرعوا بهداية الأمم. فعمّذوا الخليقة: باسم الآب والإبن والروح القدس، فآقتلعوا منها الضلال، وألزموهم بشعلةِ إيمانهم. فها هو اليوم نُزيّح يوم تذكارهم، بصوت التسبيح في كل أقطار المسكونة الأربع”.