تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها يروي الإنجيل الذي تقدّمه الليتورجيا اليوم، الأحد الرابع من زمن المجيء، زيارة مريم إلى أليصابات. بعد أن تلقت إعلان الملاك، لم تمكث العذراء في البيت، لتعيد التفكير فيما حدث وتنظر في المشاكل والأحداث غير المتوقعة، التي لم تغِب بالتأكيد، لأنَّ المسكينة لم تكن تعرف ماذا تفعل بهذا الخبر في ثقافة تلك الحقبة. بل على العكس، وبدلاً من أن تنغلق على مشاكلها فكَّرت أولاً في من هو بحاجة: أليصابات، نسيبتها، التي كانت مُتقدِّمة في السنّ وهي حامل. انطلقت مريم في رحلة بسخاء، دون أن تسمح لصعوبات الدرب بأن تخيفها، واستجابت لدفعٍ داخلي دعاها إلى الاقتراب وتقديم المساعدة. خرجت لتساعد من خلال مقاسمة فرحها. لقد منحت مريم أليصابات فرح يسوع، الفرح الذي كانت تحمله في قلبها وفي حشاها. ذهبت إليها وعبّرت عن مشاعرها، هذه المشاعر التي أصبحت فيما بعد صلاة “تُعظم نفسي الرب التي نعرفها جميعًا”. ويقول لنا النص أن العذراء “قَامَت فمَضَت مُسرِعَةً”.
تابع الأب الأقدس يقول قامت ومَضَت. في الجزء الأخير من مسيرة المجيء، لنسمح بأن يقودنا هذان الفعلان. القيام والمُضيِّ بسرعة: إنهما الحركتان اللتان قامت بهما مريم وتدعونا لنقوم بهما أيضًا بمناسبة عيد الميلاد. أولاً أن نقوم وننهض. بعد إعلان الملاك، كانت تلوح في الأفق فترة عصيبة بالنسبة للعذراء: كان حملها غير المتوقع يعرّضها لسوء فهم وكذلك لعقوبات شديدة. لنتخيل كم من الأفكار والاضطرابات كانت تخالجها! ومع ذلك، فهي لم تفقد عزيمتها، ولم تيأس بل قامت. هي لم تنظر إلى الأسفل، نحو المشاكل، وإنما إلى الأعلى، نحو الله، ولم تفكر في من يمكنها أن تطلب منه المساعدة، وإنما في من يمكنها أن تقدم له المساعدة.
أضاف الحبر الأعظم يقول لنتعلم من العذراء أسلوب التصرُّف هذا: أن نقوم وننهض لاسيما عندما نواجه خطر أن تسحقنا الصعوبات. أن نقوم وننهض لكي لا نبقى في المشاكل، ونغرق في الشفقة على ذواتنا وفي حُزن يشُلُّنا. لكن لماذا علينا أن نقوم؟ لأن الله عظيم ومستعد لكي يُنهضنا إذا مددنا له أيدينا. لنلقِ عليه إذًا الأفكار السلبية والمخاوف التي تعيق كل دفعٍ وتمنعنا من المضي قدمًا. ولنتمثَّل بمريم: لننظر حولنا ولنبحث عن شخص يمكننا مساعدته! هل هناك أي شخص مسن أعرفه يمكنني أن أُمضي بعض الوقت برفقته أو أن أُقدّم له خدمة أو أقوم بمبادرة لطيفة تجاهه أو بمكالمة هاتفية؟ من خلال مساعدة الآخرين، سنساعد أنفسنا على النهوض من الصعوبات.
تابع الأب الأقدس يقول الحركة الثانية هي المُضيِّ بسرعة. وهي لا تعني ذلك المضي قدمًا بارتباك واضطراب: وإنما أن نقضي أيامنا بوتيرة سعيدة، وننظر إلى الأمام بثقة، بدون أن نجر أنفسنا على مضض، كعبيد للتذمُّر والشكوى، باحثين على الدوام عن شخص نلومه. في مسيرتها نحو بيت أليصابات، مضت مريم مُسرعة بخطوات شخص قد امتلأ قلبه وحياته من الله ومن فرحه. لنسأل أنفسنا إذًا: ما هي “الوتيرة” التي أسير بها قدمًا؟ هل أنا استباقي أم أنني أتباطأ في حزن؟ هل أسير قدمًا برجاء أم أنني أتوقف لكي أشعر بالأسف على نفسي؟ إذا واصلنا بالوتيرة المرهقة للتذمُّر والثرثرة، فلن نحمل الله إلى أحد. من المفيد جدًا أن ننمّي روح دعابة سليم، كما فعل، على سبيل المثال، القديس توماس مور أو القديس فيليبو نيري. لا ننسينَّ أبدًا أن أول عمل محبّة يمكننا أن نقوم به لقريبنا هو أن نقدم له وجهًا هادئًا ومبتسمًا، ونحمل له فرح يسوع، كما فعلت مريم مع أليصابات.