full screen background image

أنشودة الشهيدة مسكنته، دليل العيش المشترك!

297

بقلم الأب صباح گمورة

أحمل في ذلك ذكريات لا تُنسى، لذا إرتأيت أن لا أتغاضى عن سردها. عِبرة وموقف إنساني حدث معي سنة ١٩٨٢، حيث كنت في وقتها أؤدّي خدمة العلم… كان عيد القديسة مسكنته على الأبواب كما هو مثبت في الروزنامة الكلدانية في ٢٥ أيلول من كل عام. وحينها كنّا بحاجة الى ترتيلة باللغة العربية لتُرنم في ذكرى الشهيدة. فأخذتُ على عاتقي ذلك وتبنّيتُ الأمر لأقدمه عربون محبتي لكنيسة مسكنته ذاك المسكن الروحي الذي احتضنني منذ نعومة أظفاري وإلى يوم منحي سر الكهنوت المقدس. لذا وبدافع إمتناني للمسيرة التي أغنتني بها كاتدرائية الشهيدة مسكنته، قررتُ أن أُعِدّ هذه الأنشودة… فيوماً واثناء خدمة العلم، كان في وحدتنا شاعر نجفيّ إسمه عبد الهادي الفتلاوي. كانت تربطني معه رفقة جيدة، شجعتني تلك الألفة إلى طلب عونه. ومن دون تردد ذهبت لإطلاعه على ذلك، فطلبتُ منه أن يُنظّم قصيدة لقديستنا مسكنته، وللحال قبل الفكرة. طلب مني أن أروي له قصة الشهيدة، ليتسنى له بناء القصيدة وفق ما ورد في سيرتها. ففعلت ذلك وأوجزته حكايتها. وما هي إلا ساعات قلائل حتى جاءني فرحاً بإنجازه قصيدة لقديسة مسيحية…
وإليكم ما كتبه هذا الشاعر النجفي:
مسكينةٌ بسيطةٌ جميلةْ
مؤمنةٌ شُجاعةٌ نبيلةْ
تكبُرُ في عطائها السنين
وترتوي بصدرِها الأمينْ
وذِكرُها كنسمةٍ عليلة

يا حُبُّ أبْلِغْ ذِكرَها الوفاءْ
نقولُها فخراً وكِبرياءْ
شهيدةٌ ضحّتْ بابنائها
خالِدَةٌ والنفسُ في وفائِها
ونَفّذَتْ ما تَطلُبُ السماءْ

يا أُمَّ صوتِ آلحقِّ لا يضيعْ
يَعرِفُهُ الفطيمُ والرّضيع
ونينوى وأهلُها الكِرامْ
تَذكُرُ فيكِ آلحُبَّ والسلامْ
كما يكونُ الزهرُ في الربيعْ

يا من مَلَكْتِ رحمةَ الخلودْ
والربُّ قدْ حَباكِ ما يجودْ
دُعاؤنا نرقى الى السماءْ
قلوبُنا تُردِّدُ الدُعاء
وعهدُنا نبُرُّ بالعهودْ

إن ما قام به هذا الإنسان الرائع قد لا يتكرر دوماً… سأذكر الاسباب:

  1. استجابته السريعة؛
  2. موقفه الإيجابي؛
  3. قبوله بالآخر المختلف عن مذهبه؛
  4. رؤيته الإنسانية في تفعيل موهبته؛
  5. القيمة الشعرية التي احتوت أبياتها ومعانيها العميقة…
    منذ ذلك الحين، أكُنُّ له كل الإحترام والتقدير إزاء موقفه المشرف. بل وأكثر من ذلك كله تأثرت في كلماته حينما سلّمني القصيدة، وقال لي: (هؤلاء هم أصفياء الله وقديسي السماء وهم كواكب مشرقة دوماً في دروب حياتنا، فمنهم نتعلّم لذا علينا إكرامهم ولكن بقدرٍ كبير جداً)…
    نعم يَعجزُ الإنسان في وصف مثل هذا الحدث الرائع، إذ كرّس موهبته لمدح سيرةٍ لقديسة مسيحية…
    نعم وأقولها حقّاً قد أعطاني موقفه الإيجابي رؤية ووقفة تأملية:
    أولاً: إن الإنسانية نشأت عبر محبة الخالق الواحد؛
    ثانياً: نحن صنيع أديم الأرض بفعل يدي الله الكريمتين؛
    ثالثاً: خُلقنا جميعاً بشكل حسنٍ جداً.
    رابعاً: معاً سيكتمل جمال هذه الخلقة من خلال الوحدة والمحبة..
    لقد أعطتني همته وغيرته الإنسانية حافزاً قوياً في التعجيل لتلحين القصيدة. وهكذا أنجزتها وبوقت قياسي…فبتآخينا صارت حكايةً وانشودةً ونغمةً وعنواناً أبدياً…
    حقّاً، على هذه الرؤى تُبنى الأوطان، وبتكاتفنا يعمّ الأمان لكل إنسان…
    ألا بذكراك يا شهيدتنا مسكنته وبرفقة ولديك الشهداء الأبرار، نطلب صلاتكم من اجلنا. آمين!