full screen background image

صمت مار يوسف

455

الأخت مارتينا

يظهر صمت مار يوسف في الإنجيل من خلال سماعهِ لكلام الملاك وتنفيذهِ بصمت. صمته يعكس حباً صادقاً لمريم، وإيماناً عميقاً بالله، وشخصية قويّة. بصمت آمن بكلام الملاك. وبصمت قبِل أن تتحوّل حياته من حياة عادية في الناصرة إلى حياة استثنائية مع طفل استثنائي، حُبل به عجائبياً، وسيولد عجائبياً، وسيصنع العجائب في حياته وبعد مماتهِ وقيامتهِ.

إن التفكير قليلاً في صفات يوسف الإنسان، يجعلنا نلحظ التحوّل الذي طرأ على حياته حيث ظهرت صفات مهمّة في شخصيته منها قوة الصبر والتحمل لكل الصعوبات التي تواجه حياتهُ مع مريم والطفل يسوع. وكأن قوّة الإنسان لا تظهر إلا في الظروف الاستثنائية والصعبة. وهل هناك موقف أكثر استثنائية من أن يتلقى الإنسان أمراً الهياً أو موقف أكثر صعوبة من أن يبلّغ شاب بأن خطيبته حامل! في البداية أظهر يوسف عمق إيمانه. فهو صدّقَ ما قال له الملاك. لم يشكّك به. لم يناقشه. لم يسأل عن التفاصيل. كان ينفّذ دون جدل. وكأنه جندي يتلقى أمراً عسكرياً! ففي الحياة العسكرية هناك مبدأ أساسي: نفّذ ثم اعترض. أما يوسف فلم يعترض. كان ينفّذ ومن ثم ينفذ بدون إعتراض كان يقبل كل الأوامر الإلهية بصمت أبوي مليء بالطاعة الكاملة لإرادة الرب. حيث يقول البابا فرنسيس عنهُ: “مار يوسف هو أب حبيب، أب في الحنان والطاعة والقبول؛ أب يتحلّى بشجاعة خلاقة، عامل مجتهد، ودائمًا في الظل”. أب وقائد لعائلته بصمت، يحب الصمت ويعمل بهِ، في التاريخ كما نعلم قادة يصنعون الأحداث وآخرون تصنعهم الأحداث. يوسف من الصنف الثاني. صنعه حدث فريد من نوعه في التاريخ. لن يتكرّر أبداً. في السياسة القادة لا يتوقفون عن الكلام. أما في الإيمان فيصمتون. يصغون إلى سرّ الألوهة. هكذا كان يوسف الصامت الأكبر في حياة يسوع، الإله المتجسّد. فصمتهُ كان هو الصفة التي جعلت يوسف محبوب من عند الله وصديق لله، والله الأب يكشف لهُ من خلال صمتهِ وسماعه لكلام الله والعمل بهِ عن سر التدبير الإلهي ومشاركتهِ لمريم هذا السر بإيمان ومحبة وثقة بتدبير الله الخلاصي للبشر والعالم أجمع.