جرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في مكتبة القصر الرسولي بالفاتيكان واستهلَّ تعليمه الأسبوعي بالقول أرغب في أن أتوقّف اليوم عند صلاة الشكر. وأنطلق من حدث يخبرنا عنه الإنجيلي لوقا. بَينَما كان يسوع سائِرًا لَقِيَه عَشَرَةٌ مِنَ البُرْص، فوقَفوا عن بُعدٍ، ورَفعوا أًصواتَهم قالوا: ” رُحْماكَ يا يسوع أَيُّها المُعَلِّم!”. نحن نعلم أنه بالنسبة لمرضى البَرَص، قد اقترن التهميش الاجتماعي والتهميش الديني بالمعاناة الجسدية. لكن يسوع لا يتهرَّب من لقائهم. ففي بعض الأحيان هو يتخطى الحدود التي تفرضها القوانين ويلمس المريض ويعانقه ويشفيه. لكن في هذه الحالة لم يكن هناك اتصال. فقد دعاهم يسوع من بعيد ليروا أنفسهم للكهنة الذين كانوا مكلّفين، بحسب الشريعة، بالتصديق على الشفاء. لم يقُل يسوع شيئا آخرًا. استمع إلى صلاتهم وصرخة الشفقة التي وجّهوها إليه وأرسلهم في الحال إلى الكهنة.
تابع الأب الأقدس يقول لقد وثق هؤلاء العشرة، وانطلقوا على الفور وبَيْنَما هُم ذاهِبونَ بَرِئوا جميعًا. لذلك كان بإمكان الكهنة رؤية شفائهم وإعادة إدخالهم إلى الحياة الطبيعية. ولكن هنا تأتي النقطة الأكثر أهمية: من تلك المجموعة، رجع واحد فقط، قبل الذهاب إلى الكهنة، ليشكر يسوع ويسبح الله على النعمة التي نالها. ويشير يسوع إلى أن هذا الرجل كان سامريًا، وكان نوع من “الهراطقة” بالنسبة لليهود في ذلك الوقت. وقال يسوع: “أَما كانَ فيهِم مَن يَرجعُ ويُمَجِّدُ اللهَ سِوى هذا الغَريب؟”.
أضاف الحبر الأعظم يقول هذه الرواية تقسم العالم إلى قسمين: من لا يشكر ومن يشكر؛ من يأخذ كل شيء كما ولو كان حقًّا، ومن يقبل كل شيء كعطيّة، ونعمة. يكتب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: “يمكن لكل حدث وكل حاجة أن تصبح دافعًا للشكر” (عدد ٢٦۳٨). من هنا تبدأ صلاة الشكر على الدوام: من الاعتراف بأنّ النعمة تسبقنا. هناك من فكّر بنا قبل أن نتعلم التفكير؛ وهناك من أحبّنا قبل أن نتعلم الحب؛ وهناك من رغب فينا قبل أن تظهر الرغبة في قلوبنا. إذا نظرنا إلى الحياة على هذا النحو، عندها تصبح كلمة “شكرًا” الدافع الذي يقود يومنا.
تابع البابا فرنسيس يقول بالنسبة لنا كمسيحيين، أعطى رفع الشكر اسمًا لأهم سر موجود: الإفخارستيا. إن الكلمة اليونانية في الواقع تعني: الشكر. فالمسيحيون، كجميع المؤمنين، يباركون الله على عطية الحياة. إنَّ الحياة هي أولا عطيّة نلناها. لقد ولدنا جميعًا لأن شخصًا ما أراد لنا الحياة. وهذه ليست سوى الدين الأول من سلسلة طويلة من الديون التي نتكبَّدها أثناء حياتنا. ديون الشكر والامتنان. في حياتنا، نظر إلينا أشخاص كثيرون بعيون نقية وبشكل مجاني. غالبًا ما يكونون مربين واساتذة للتعليم المسيحي وأشخاص قاموا بأدوارهم بما يتجاوز الحد الذي يتطلَّبه الواجب. وأثاروا فينا الامتنان. إن الصداقة هي أيضًا عطية يجب أن نكون ممتنّين لها على الدوام.
أضاف الأب الأقدس يقول تتسع كلمة “الشكر” هذه، التي يشاركها المسيحي مع الجميع، في لقائه بيسوع، وتشهد الأناجيل على أن مرور يسوع كثيرًا ما ولَّد الفرح والتسبيح لله في الذين قابلوه. إن روايات عيد الميلاد مليئة بأشخاص مُصلِّين اتّسعت قلوبهم لمجيء المخلص. ونحن أيضا قد دُعينا للمشاركة في هذا الابتهاج العظيم. هذا ما يقترحه علينا أيضًا حدث البُرصِ العشرة الذين برئوا. بطبيعة الحال، كانوا جميعهم سعداء لاستعادة صحتهم، لأنّهم قد تمكنوا هكذا من الخروج من هذا الحجر الصحي القسري الذي لا نهاية له والذي كان يبعدهم عن الجماعة. لكن كان هناك بينهم من أضاف فرحًا إلى الفرح: فبالإضافة إلى الشفاء، فرح باللقاء بيسوع. فهو لم يتحرّر فقط من الشر، ولكنّه يملك الآن اليقين أيضًا بأنه محبوب. إنه اكتشاف الحب كقوة تعضد العالم. سيقول دانتي: الحب “الذي يحرك الشمس والنجوم الأخرى”. لم نعد مسافرين متجولين يجولون هنا وهناك: لدينا بيت، نحن نقيم في المسيح، ومن هذا “المسكن” نحن نتأمل بقية العالم، ويبدو لنا أنه جميل جدًّا.
تابع الحبر الأعظم يقول لذلك، أيها الإخوة والأخوات، لنحاول أن نكون على الدوام في فرح اللقاء مع يسوع، ولنعزز الفرح. لأن الشيطان بعد أن يكون قد خدعنا يتركنا دائمًا حزينين ووحيدين. أما إذا كنا في المسيح، فلا خطيئة ولا تهديد يمكنه أن يمنعنا أبدًا من مواصلة المسيرة بفرح مع العديد من رفقاء الدرب.
ختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول لا ننسينَّ أبدًا أن نشكر: إذا كنا حاملين للامتنان، فإن العالم يصبح أفضل أيضًا، حتى ولو قليلاً، لكن هذا يكفي لكي ننقل إليه القليل من الرجاء. كل الأشياء متّحدة ومترابطة ببعضها البعض ويمكن لكل فرد منا أن يقوم بدوره في مكانه. إنَّ الطريق إلى السعادة هو الطريق الذي وصفه القديس بولس في نهاية إحدى رسائله: “لا تَكُفُّوا عن الصَّلاة، وأُشكُروا على كُلِّ حال، فتِلكَ مَشيئَةُ اللهِ لَكم في المسيحِ يسوع. لا تُخمِدوا الرُّوح” (١ تسالونيكي ٥، ١٧- ١۹). لا تُخمِدوا الرُّوح إنه برنامج حياة جميل! لا نُخمِدنَّ الروح الموجود في داخلنا والذي يحملنا إلى الامتنان.