full screen background image

الكتاب المقدس هو المعلم… وموقف المعلم هو موقف التلميذ

584

الأب المرحوم كوب المخلّصي

ماذا يريد الله أن يقول لي ولطلابي؟

ما دور الكتاب المقدس في التعليم المسيحي؟ 

ما مكانه في التربية المسيحية؟

هل يمكن أن نعلّم تعليمًا مسيحيًا بدون الكتاب المقدس؟

وممكن أن نواصل الأسئلة التي تعني كلها نفس الشيء….

          أحاول الإجابة على هذا السؤال المتنوع الأشكال بأن أسأل ما التعليم المسيحي؟ أولاً، ثم أسأل ما هو الكتاب المقدس؟ ونرى إذا ما جاء نور في الظلمات…

  1. ما التعليم المسيحي؟

الاسم “تعليم” يوحي بأن القضية تقوم في إيصال معلومات الى من يكون جاهلاً. هل الدين المسيحي مذهب فكري، ومجموعة من المباديء يكفي للمرء ان يتعلمها عن ظهر القلب لكي يعلم ما المسيحية؟ هل الدين المسيحي مجموعة من المعتقدات النظرية؟ هل المسيحية فلسفة؟ كلا ثم كلا. بالطبع في الإيمان المسيحي وجه عقلي نظري يجب أن يُشرح ويُعلّم، ولكن الإيمان في هذا الوجه النظري يشكّل إفقارًا كبيرًا. لهذا السبب يتكلمون في الأزمنة الأخيرة عن “تثقيف مسيحي” أو “تربية مسيحية” لكي يشملوا أبعادًا أخرى الى جانب البعد العقلي، جوانب إرادية وحسية وأخلاقية سلوكية. الدين المسيحي مذهب أجل، ولكن ليس بالمعنى العقلي الضيق بأن بالمعنى الأصلي: مذهب كسلوك وتصرف ومنهج حياة ومواقف، بهذا المعنى لا تكتفي التربية المسيحية بعدد من المباديء المتعلمة عن ظاهر القلب. هدفها هو تدريب أشخاص ليعيشوا إيمانهم يوميًا في حياتهم الواقعية في كل أبعادها. هذا التدريب بالطبع ليس ترويضًا، انه يقصد تربية أشخاص الى الإلتزام بمواقف حرة مسؤولة (وإن كان صحيحًا أن يؤخذ تطور الشخص الإنساني في مراحل بعين الاعتبار، وفي العمر الصغير يوجد مكان لترويض…).

          هناك وجه ممكن أن نسميه تعليمًا لمعلومات ولكن ليس هو المهم الأول، انه صحيح ان ديانتنا اتخذت بعد دخلوها الى العالم اليوناني مع تقادم القرون وجهًا عقليًا ونظريًا أكثر فأكثر (انظر الى تاريخ الكنيسة مع الانشقاقات الكثيرة على أساس المباديء والمعتقدات).

          اظن ان أساليب التعليم المسيحي أو التثقيف المسيحي أو التربية المسيحية في أيامنا هذه اكتشفت ذلك وتحاول أن توسع الهدف الى أبعاد غير عقلية أيضًا.

  • لمّا نسأل ما هو الكتاب المقدس يجب أن نرى أولاً ان تعريف الكتاب المقدس (ومواضيع أخرى في ديانتنا) تأثر من الاتجاه النظري المتزايد في القرون الأخيرة. كانوا يحسبون الكتاب المقدس مجموعة من الحقائق الموحى بها من قبل الله خلال القرون (الى موت آخر رسول عندما اختتم الكشف أو الوحي الإلهي)، كنز الحقائق الإلهية المكشوفة بلسان موسى والأنبياء ويسوع والرسل “كنز المعلومات”!! وكانوا يقرأون الكتاب المقدس لكي يجدوا فيه إثباتات لما يُقال في اللاهوت العقائدي، أعني: كانوا يعتبرونه مجموعة من الإفادات الفكرية… كانوا يعتبرون قانون الإيمان في 12 نقطة مختصرًا مفيدًا لما بصورة مطولة في الكتاب المقدس بخصوص الله في ذاته والله في علاقاته مع العالم. أليس صحيحًا أنهم كانوا يعتبرون الإيمان من الحقائق التي تقدمها الكنيسة للمؤمنين لكي يصدقوها؟

 كان الكتاب المقدس مزعجًا بعض الشيء لأنه ليس عقليًا نظريًا مئة بالمئة (مثل اللاهوت العقائدي).

          الكتاب المقدس ليس هذا الكتاب النظري، مجموعة الحقائق الإلهية، (وإن كان غير ناجح جدًا في كونه نظريًا…) فماذا هو إذن؟ ألا يعود يكون كتاب الحقيقة؟ كتاب الحق؟

          الكتاب المقدس كتاب من نوع خاص. انه لا يختلف عن كتب أخرى من أيام زمان، ولكن ما هو خاص به هو أنه معتبر كلام الله، لذلك يسمى مقدسًا. حسن ولكن ما معنى ذلك؟ في الإسلام يتكلمون عن كتاب منزّل ويأخذون ذلك بالمعنى الحرفي.

نحن نتكلم عن إلهام من الروح القدس. حسن ولكن ما معناه؟ هنا الأفكار كثيرًا ما تنزل بالغموض والإلهام والخطأ…

          من الضرورة القصوى أن نطهر أفكارنا ومفاهيمنا بخصوص  الله الخالق والعالم المخلوق. الله يبقى دائمًا الله خالقًا متساميًا متداخلاً أبعد الأباعد وأقرب الأقارب، ولكن دائمًا كخالق ولا مرة على صعيد المخلوق. فمن ثم كل ما نقوله عن الله يبقى دائمًا محاولة للتعبير وفيها نقص.

          فإذا سمينا الكتاب المقدس “كلام الله” وجب أن ننتبه لهذه الحقيقة: الله يأتينا دائمًا خلال الخليقة. الخالق يمس من خلال المخلوق. لا توجد طريقة أخرى. هي الطريقة المباشرة من جهة الله، الغير المباشرة من جهتنا الخلائق. فما الكتاب المقدس، كلام الله، إذن؟ من المتكلم؟ ناس طبعًا، أي ناس؟ أجدادنا بالإيمان، اسرائيل، المؤمنون القدامى يتكلمون. عن أي شيء يتكلمون؟ عن خبراتهم الإيمانية، عن الله، عن أنفسهم على ضوء الله. الكتاب المقدس “ترسبات” خبرات ناس الله. ممكن أن نسمي الكتاب المقدس “قصة الله مع شعبه اسرائيل، ومع العالم أجمع من خلال شعبه”. كلام الله نعم، ولكنه من الأول مجسم في كلام ناس. “سر التجسد” ليس شيئًا ابتدأ مع يسوع الناصري فقط. انه موجود منذ الأول في ديانتنا، من موسى، الله يصير إلهًا إنسانيًا متضامنًا مترافقًا من خلال ناس معينين، لحمًا ودمًا. ونحن نؤمن بأن الكتاب المقدس فعلاً شهادة شهادات من قبل ناس عن لقائهم (الإنساني) بالإله الخالق المترافق المتضامن الإنساني. هكذا الكتاب المقدس كله كلام الله وكله كلام ناس، ولا يمكن جعله كله إلهيًا فقط، أو إنسانيًا فقط. هو كلاهما، وفي نفس الشيء (يعني: مجسم، متجسد).

الكتاب المقدس في التعليم؟

          أانتهينا؟ يجب أن نمنع الوجه العقلاني من أن يرجع. قصة الله مع اسرائيل ومع العالم من خلال اسرائيل ليست تسليم كمية من الحقائق والمعتقدات حول الله في ذاته وحول الله في علاقاته مع العالم… أجدادنا بالإيمان عبّروا عن خبراتهم مع إلههم وبلغتهم.

ولا يمكن ان نفهم ديانتنا (ديانتهم) إلا إذا تعلّمنا “تعبير” أجدادنا (هذا لا يعني انه يجب تعلّم اللغة العبرية…!) ولكن يجب أن نتعلم (على يد المختصين…) ان نسمع جيدًا الى ما يقوله أجدادنا فعلاً.

          عن ماذا يتكلمون؟ عن عهد بين الله واسرائيل. عن توراه… تعبيرهم يقصد الى علاقات، علاقات بين الله وبينهم والعالم. علاقات من نوع خاص. ليست علاقات “وثنية” حيث يغرق الإله في طبيعة العالم. الله يبقى متساميًا حرًا، وبنفس الوقت هو قريب جدًا جدًا. لا توجد هذه العلاقة في أية ديانة أخرى، أين الله؟ في جبل سيناء؟ في هيكل أورشليم؟ … نعم ولا، هناك دائمًا تحفظ حرية الله، هو يختار أن يربط العلاقة. لا يوجد في العالم مكان مقدس من ذاته. الله اختار ان يظهر لموسى في العليقة. اختار ان يخاطب شعبه من على جبل سيناء. اختار ان ينزل من الجبل ويسكن في خيمة في وسط خيام شعبه. “وسكن بيننا”. أين الله؟ أجدادنا تعلموا أن يروا الله في الإنسان الحي. ولكن ليس بطريقة طبيعية، كأن الإنسان من جنس إلهي… “الإنسان مخلوق على صورة الله” لا يعني ذلك ان الإنسان من طبيعته يشبه الله. كلا، إنما ذلك دعوة ورسالة: على الإنسان أن يعيش “على صورة الله” كيف؟ كيف ومتى يكون تصرف الإنسان على صورة الله؟ هنا يأتي مفهوم التوراة.

          “توراة” كلمة عبرية لا تعني أولاً “شريعة” كما يقولون كل مرة وبعناد، إنما تعني: إرشادًا، توجيهًا، تعليمًا نسبة الى السلوك. يعني: الله يعلّم (من خلال موسى) كيف يجب أن يتصرف الإنسان ويسلك حتى يمثّل ويستحضر الله بشكل إنساني في هذه الدنيا. فيرون أعمالكم الصالحة فيمجدوا… (متى 5 :16)، هنا نلمس ما الكتاب المقدس في حقيقته العميقة الأخيرة: من خلال خبرات أجدادنا يرشدنا الله اليوم إرشادًا (توراه).

          الكتاب المقدس أسفار كثيرة، ممكن أن ندرسه من نواحٍ مختلفة كثيرة (تاريخية، جغرافية، نباتية، حضارية، اقتصادية، سياسية، استراتيجية، وبعد وبعد…). ولكن كل هذه ليست الكتاب المقدس الذي نؤمن به. الكتاب المقدس الذي نؤمن به هو إرشاد الله لي اليوم. في التقليد الحاخامي جملة جميلة بهذا الخصوص: “لما تقرأ الكتاب المقدس “ابراهيم” أو “اسرائيل” أو “إشعيا” أو “يونان” الخ فاقرأ “الإنسان”، إقرأ “أنا”.

الكتاب المقدس لا يعلّمني معلومات  عن الماضي أو السماء أو عن أي شيء كان. انما يوجهني توجيهًا في الآن، لكي أكون إنسانًا في هذه الدنيا، أي لكي أجسّم ألوهية الله غير المنظورة في إنسانية طيبة منظورة، لحمًا ودمًا.

الكتاب المقدس في التعليم المسيحي؟

          جاء النور!!! الكتاب المقدس في التربية المسيحية: أولاً وآخرًا يجب علىَّ أنا المعلم أن أصبح تلميذًا لمعلمي الله من خلال دروسه (توروث) في الكتاب المقدس. المعلم يبقى تلميذًا طول حياته. وهكذا فقط يقدر أن يعلّم تلاميذه أن يسمعوا لكلام الله ويعملوا به (أشير الى تلك العبارات المعروفة جدًا من كل الكتاب المقدس: السمع والعمل).

          سنطبق ما تعلّمناه بواسطة بعض النصوص الكتابية المختارة.

– تك 1

– تك 2-3-4

– تك 6-9

– تك 11: 1-9

– تك12 : 1-9/ 10 – 20

– تك 22

– تك 25: 19 – 35: 29

– يش1

– يش 5: 13 – 15

– 2صم 6

– مزامير