الأخت مارتينا
إن مريم العذراء قديسة بكل معنى الكلمة، فهي الوحيدة بين الخلائق صانها الله بنعمة خاصة منهُ، من كل خطيئة وهي تجاوبت بدورها مع موهبة الله السامية الفريدة، فعاشت بكمال القداسة دون أن تخطأ البتة، وأصبحت لذلك مرآة للقداسة وللفضائل كافة فحياتها كلها إيمان بالله وثقة بتصميمهِ الخلاصي وطاعة تامة لتدابيرهِ، إلى جانب حب لا حدود لهُ، وعطاء بدون قيد أو شرط. فهي المثال الأسمى للمؤمنين ليقتدوا بها ويسيروا على خطاها في طريق القداسةولما كانت مريم هي أكثر شبهاً بابنها من جميع خلق الله يتضح من ذلك عبادتها هي، دون ريب أنجح وسيلة ليتشبه الإنسان بالفادي فيزداد حباً لهُ، بحيث يصح لكل منا أن يقول: اني ما عدتُ أحب مريم، بل هو المسيح الذي يحبها فيَّ.
إن أمومتها الإلهية، ومساهمتها في خلاص البشرية رفعاها إلى مكانة مثالية وسامية. وعندما قالت للملاك: “ها انذا أمةُ الرب فليكن لي كقولك” قدمت ذاتها وقرنت تقدمتها بتقدمة ابنها. وفي مجرى حياتها أعطت أرفع المُثل وأسماها في البساطة، وحياة الصلاة وخدمة القريب، فدعت المؤمنين كافة والنساء بنوع خاص للإقتداء بها والتمرس على فضائلها في حياتهنَّ. فهي كأمرأة أصبحت مثال المرأة الأعلى في الإيمان والتواضع والطهارة، والتضحية ونكران الذات والمحبة المتفانية. مريم العذراء هي النموذج الأمثل للإقتداء بها، فهي مُتمرسة بالقناعة والبساطة تعاني هموم الفقراء اليومية طبيعية صريحة خبرت الانتظار والصبر، تحب حباً خالصاً، تتقن فن الضيافة ومبادرات المحبة الرقيقة تنهض مثلاً في الوفاء للرسالة والتحرر من التقاليد السيئة إنها إمرأة الخبز، إمرأة الخمرة الجديدة، إمرأة الصمت والخدمة المرأة الحقة المُطيعة، الكلية البهاء المعاصرة لكل زمن والحاضرة في كل وقت، بحياتنا مع مريم نحقق دعوتنا إلى أن نكون مع يسوع. وبتحديقنا إليها نتخذها نموذجاً لكل أعمالنا، متسائلين دائماً عما كانت ستفعل لو هي وُجِدَتّ في مثل المواقف التي نواجهها؟ ونقتدي بفضائلها إيمانها الصامد وتواضعها السحيق الذي جعلها تتوارى وتصمت وتخضع وتلتزم المكان الأخير وطهرها الفريد في تاريخ الكون وحبها الطاهر الشامل.
لقد كانت مريم بحسب قول البابا القديس يوحنا بولس الثاني: “العلامة المُضيئة والمثال الجذاب للحياة الأخلاقية ففضائلها الفائقة السمو تخص النفوس خصاً لا يُقاوم على التشبه بالمثال الإلهي، يسوع الذي كانت هي لهُ الصورة الأشد صدقاً، كما كانت كتاب الشريعة الذي يطلعنا على ما يروق لله”. لقد حث آباء الكنيسة في مواعظهم، والأحبار العظام في إرشاداتهم على الإقتداء بالأُم الكُلية القداسة مُتخذين إياها مثالاً أعلى للفضائل الروحية يتشبهون بها في حياتهم وفي أعمالهم وأقوالهم، فالنجدد العزم على السير في اثرِ مريم.
لِنُصَّلِ: أيتها البتول القديسة أمنا مريم العذراء، يا من أنتِ الخليقة الأعمق اتضاعاً عند ذاتكِ، والأعظم من جميع المخلوقات أمام الله، أنتِ التي كنتِ صغيرة في عينيكِ أنفسهما، لكنكِ ظهرتِ لدى عيني سيدكِ بهذا المقدار عظيمة، أختارك الرب أن تكوني أُماً لهُ وهكذا صيركِ سلطانة السماوات والأرض. أنا إذ أشكر هذا الإله الذي رفعكِ رفعةً بهذا السمو، وأفرح معكِ عند تأملي إياك متحدة بالله إتحاداً كاملاً، صلي من أجلنا عند ابنكِ أن يقبلنا معكِ في السماء وهناك نسبحهُ ونمدحهُ إلى الأبد. آمين. (القديس ألفونس دي ليغوري)