الأخت مارتينا
القلب المُصغي هو الذي يعرف أن يقرأ تاريخهِ الشخصي وهذا ما لمسناهُ في شخصية أمنا العذراء القديسة فقالت تعظم الرب نفسي وتهلل بفرح عظيم، لإنها تخطت الاضطراب، والقلق، والخوف من نظرات الناس، والعادات، والتقاليد اليهودية، وقبلت مريم أن تدخل بتاريخها الشخصي وتضعهُ بين يدي الله مُخلصها. في مريم نالت الأرض وجهاً إنسانياً، وأكثر من ذلك: وجهاً مسيحياً، وجه أم يسوع. عبر اللجوء إليها تتحول الروحانية الطبيعية إلى إيمان، إلى لقاء بتعامل الله مع تاريخ البشر، والذي يظهر ثمرهُ في حياة مريم.
إن المعنى الأولي للكلمات التي أنشدتها العذراء مريم هو اعتراف مريم بالعطايا والنعم التي أنعم الله بها عليها، وبهذا النشيد النابع من القلب تُذكر العذراء مريم الجميع بأن الله لا يتوقف أبداً عن إغداقه النِعم على الجنس البشري، إن النفس البشرية تُمجد الرب عندما تُخصص كل قواها الداخلية من أجل خدمة الله وتسبيحهِ. ومريم والدة الإله تُبرهن أنها لا تحيد عن رؤية قوتهِ وجلالهِ، من خلال استسلامها للتعاليم السماوية ومن ثم استسلامها لبشارة الملاك لها.
مريم أدركت مخطط الله عليها وقدمت ذاتها للتضحية وراحت تصغي لإلهام الروح القدس بطواعية كلية وتتركهُ تعالى يصنع منها الإناء اللائق للكلمة الإلهي المزمع أن يتجسد وينسج قلباً شبيهاً بقلب الله. وبهذا القلب المصغي والمنفتح تستقبل مريم اليوم جميع الأجيال التي تهنئها وتمدحها، بفضل مريم صنع الرب لنا وبنا وفينا عظائم فمنحنا قداستهِ لنتقدس نحنُ أيضاً، فقال لنا “كونوا قديسين كما أن أباكم السماوي هو قدوس”.
أمنا العذراء مريم هي جزء من التصميم الإلهي: إنها الباب الذي بهِ دخل المسيح العالم. فالتجسد إنما هو تصميم الله الأزلي بمريم وتعبير عن فيض جودهِ. وقداسة مريم العذراء تندرج في إطار جود الله وتنسجم مع تصميمهِ الذي أرادنا بهِ “أن نكون قديسين وبغير عيب أمامهُ” (أف1: 4). وملء النعمة الذي نالتهُ مريم أمنا لا ينفي تجاوب حريتها مع دعوة الله. فالنعمة والقلب المصغي لا تزيل الحرية. إن مريم قد جاهدت بإرادتها ونمت في الإيمان. ونعمة الله التي ملأتها وجدت فيها نفساً مستعدة وقلباً منفتحاً، وبقيت المنزهة عن كل عيب والفائقة القداسة. ولأن خدمة الله هي إلى حد كبير مسألة استسلام وإصغاء لله، ويجب أن يكون جزءاً من الحياة. وتماماً كما يرتبط بانسجام الانضباط والمقياس العادل، والنظام، كما وترتبط الطاعة بالحرية بالشكل عينهِ. وقد تمكنت أمنا مريم من صياغة ما هو إنساني حقاً لأنها تطلعت وأصغت إلى ما وراء ما هو إنساني، وحدس ما هو إلهي وأضحت إنسانةً حقاً مصغيةً بقلبٍ منفتح لإلهامات الروح القدس ومطيعةً لله عندما سمحت لله من أن يلمس قلبها. فلنقبل إذاً دعوة القديس أمبروسيوس: “لتكن نفس مريم في كل بشر لكي يعظم الرب، وليكن روح مريم في كل إنسان لكي يبتهج بالله، إذا كانت أم المسيح واحدة فقط بحسب الجسد، فبحسب الإيمان كل النفوس تستطيع أن تنجب المسيح، كل نفس تستطيع أن تقبل كلمة الله في داخلها، ونفس مريم تعظم الرب ويبتهج روحها بالله لأنها تجسد بعاطفة تقوى للإله الواحد الذي منهُ كل الأشياء.
لنصلِّ: يا مريم أمنا، يا أم المحبة الدائمة، لقد أصغيتِ إلى يسوع وتعرفين نبرة صوتهِ ودقات قلبهِ، يا نجمة الصبح الجميلة حديثنا عنهُ وأخبرينا عن مسيرتكِ لنتبعهُ على درب الإيمان، كيما تشع نضارة إيماننا في أعيننا وتدفئ قلب من يلتقي بنا لنحمل الفرح إلى العالم ونتحدث عن محبة فادينا وأن نعلن للجميع هذهِ المحبة. أمين.