full screen background image

تأمل الأول – مريم العذراء مطوبة مدى الأجيال

600

الأخت مارتينا

أمنا القديسة مريم تطوبها جميع الأجيال مدى الدهر. لقد اختارها الأب القدوس من أجل فضائلها وإيمانها وتقواها، ليحل عليها الروح القدس ولتظللها قوة العلي ويتجسد منها كلمة الله بسر لا ينطق بهِ أحد، فالكل يعتبر مريم العذراء إمهِ الروحية، وإن كان الرب على الصليب دعاها أماً للقديس يوحنا الحبيب فكم بالحري بنا أن نتخذها أماً روحية لنا.

يقول القديس يوحنا فم الذهب: “إن العذراء قد حوت شمس البر وولدت كلمة الله المتجسد قد حوت العذراء عوض الشمس شمس العدل الغير المرسوم”. ولا تسأل هنا كيف صار هذا وكيف أمكن الآن حيثُ يُريد الله فهناك لا يراعى ترتيب الطبيعة. إذ هو إله يصير إنساناً ومع ذلك لا يسقط من اللاهوت الذي كان لهُ ولا صار إنساناً بفقدهِ اللاهوت ولا من إنسان صار إلهاً ينمو متتابع بل الكلمة الكائن صارَ لحماً. يقول القديس يوحنا إن ابن الله قد صار إنساناً كيما يصيرنا أبناء لله بالتبني والإيمان (إن كان ابن الله صار ابناً للعذراء فلا تشك يا ابن ادم إنك تصير ابناً لله، ولِدَ بالجسد لكي تولد ثانيةً حسب الروح ولدَ من امرأة لكي تصير أنت ابناً لله. إن كان الله قد نزل أعماقاً كهذهِ فأنهُ لم يفعل هذا باطلاً، إنما ليرفعنا للأعالي. ولد بالجسد لكي تولد أنت ثانيةً حسب الروح. ولد من امرأة لكي تصير أنت ابناً لله).  إن مريم العذراء هي أمنا كلنا وسيدتنا وفخر جنسنا وهي الملكة القائمة عن يمين الملك السماوي، العذراء دائمة البتولية المملوءة نعمة، الأم القادرة المعينة الرحيمة أم النور أم الرحمة والخلاص.

فقرار الله بشأن مريم هو “نعم” صافٍ، تماماً كما تقوم هي بحضرتهِ كـــ “نعم” صافٍ. هذا الانسجام بين “نعم” الله وكينونة مريم كــــ “نعم” هو الحرية من الخطيئة الأصلية، يعني أن مريم لا تحتفظ بأي جزء من كيانها، أو حياتها أو من إرادتها كمُلك خاص بها: بل تُفرغ ذاتها بالكلية، وتهب ذاتها لله، فتتوصل بهذا الشكل إلى ملك ذاتها بالكلية. النعمة كإخلاء ذات تضحي جواباً من خلال التوصل إلى الذات بشكل مختلف. فمريم هي صورة الكنيسة في الإيمان والمحبة والاتحاد الكامل بالمسيح، فإن نعمة الله كانت قوية في مريم، قوية كفاية لتُقظ جواباً، وإن النعمة والحرية، النعمة والكيان، التجرد والتحقيق لا يتناقضان إلا ظاهرياً. بالواقع، أحدهما يؤثر على الأخر ويهب للأخر وجودهُ عينهُ

وحيثُ إننا إذ نجول في فكر أباء الكنيسة شرقاً وغرباً نرى مدى الفهم اللاهوتي السليم المبني على روح الكتاب المقدس وحياة الكنيسة الأولى الذي يكرم العذراء مريم من أجل انتسابها لله وولادتها لله الكلمة المتجسد وإيمانها وفضائلها.

لنصلِّ: السلام عليكِ يا مريم، يا امرأة فقيرة متواضعة. باركها الرب العلي، يا عذراء الرجاء ونبوءة الأزمنة الجديدة، نحنُ نتلو جميعنا نشيد التعظيم الذي تلوتهِ لنمجد عطايا الرب، ونبشر بمجيء الملكوت وبالتحرير التام للإنسان أمين.