full screen background image

زمنُ الصوم

479

الأخت بسمة

زمنُ الصوم: زمنُ الإيمان بالله إلهاً أوحد (متى 3: 16- 4: 11)
تبدأ أمنا الكنيسة معنا زمناً جديداً هو زمنُ الصوم، فتطلبُ منّا أن نضع حياتنا تحت قيادة الروح القُدس، مثلما فعلَ بكرُنا: “ثم سارً الروحُ بيسوع إلى البرية”، وان نجابه كلَّ ما يأسرُنا ويُعيقُنا عن محبة الله خالقنا ومُخلصنا، وهذا يعني “الإيمانَ” بالله إلهاً أوحد، بل هو كفايتُنا. الصومُ زمنٌ مُباركٌ فيه نسيرُ بمعيّة الروح القُدس ليتطهّرَ داخلنا من اكاذيب الشرير واوهامه بأننا قادرونَ على الحياة من دونِ الله. وانها كذبةٌ صدّقها الإنسان، فقادتهُ إلى الإبتعادِ عن الله. ولكنَّ الله، ولكونه محبة، لم يتراجع أمام رفضِ الإنسان وتحدّياتهِ، بل أظهرَ حُباً فاقَ خطايا الانسان، فأرسلَ يسوع المسيح إبنَهُ، ليُقرّبنا إليه، وسألنا أن نُحبهُ مثلما هو يُحبنا، وأن نقبلَ محبتهُ فنعطيهُ حُبَ قلبٍ صادقٍ لا إنقسامَ فيه.
عندما خرجَ ربّنا يسوع من الماءِ رأى السموات تنفتحِ ورأى روحَ الله يهبطُ عليه وصوتٌ يقول: “هذا هو إبني الحبيب الذي عنهُ رضيتُ”، ولم يقل لنا الإنجيلي متّى أن السموات أُغلقت، بل بقيت مفتوحة وروحُ الله نازلٌ على كلِّ منَ يؤمنِ، كل مَن يقبلَ بشارةَ الله: “أنت إبني الحبيب الذي عنه رضيتُ”. لم يُخبِرنا متّى الإنجيلي قبل حادثة العماذ هذه عن أعمالٍ يسوع وأقوالهِ، لأنه أرادَ أن يُبشرنا بأن رضى الله علينا ومحبتهُ لا تعمتد على إنجازاتنا وبُطولاتنا، بل تنتظر قبولنا. انها محبّةٌ مجّانية لا تُريد إلا حُبَّ الإنسان وخيرهُ، وتنتظر قبولَ هذه المحبّة شاكرين.
وتدعونا أمنا الكنيسة اليوم لنرافقَ ربّنا في مسيرتهِ في الصحراء، حيث قررَ أن يكونَ مع الله وحدهُ، ويوُاجهَ تجاربَ إبليسَ وإغراءاتهِ فأظهرَ إيماناً أصيلاً، وعلّمنا أن نؤمنَ نحن ايضا بالإله الأوحد. فحينَ صامَ، أفرغَ حياتهُ كلّها لله، وحينَ جاعَ لم يطلب طعاماً، ولم يبحث عن أعمالٍ عجائبية ولم يُجرّبَ الله، بل آمنَ بأنهُ إبنُ الله المحبوب وهو سيعتني به. جاءَهُ إبليسَ ليُجرّبهُ قائلاً: “سأعطي للإنسان طعاماً ليعيشَ وشهرةً واسعة وقوةّ عظيمة”، فردهُ ربّنا يسوع: ليس لكَ أن تُعطي ما لا تملِك، الله وحدهُ قادرٌ على أن يُعطي، لأنهُ محبّةٌ، ومحبتهُ نزيهةٌ لا غشَّ فيها، وهذه المحبة لن تستغلَّ الإنسان والله لخدمتها، بل هي في خدمةِ الله والإنسان.
عالمنا اليوم جائعٌ إلى امور كثيرة، ولكنَّ جوعهُ الحقيقي يكمنُ في جوعهِ إلى “الحب النزيه”، وهذا الذي لا يُعطيهِ الا الله. فعلينا ان نؤمن بالله إلهاً أوحد، لأننا بذلِك نقتربُ من المحبة، وهي ما نأنُّ إليه كٌلّنا. لذا، تدعونا أمنا الكنيسة لأن ننعش صومَنا بالصلاة وأعمالِ الرحمةِ والتي تُعبّر عن المحبّةِ التي فينا. ففي ذلك تعبيرٌ عن إيماننا بأننا قبلنا شاكرين َمحبّة الله ورحمتهُ نحونا، ونحن بدورنا ننقل هذه المحبةَ النزيهةَ الى قريبنا اذ نساعده، من دونِ أن نُشبعَ جوعنا إلى المديح أو الشهرة والإفتخار أو تمجيد اسمنا، وهكذا نهتمُ بإحتياجات القريب وبتمجيد اسمِ إلهنا وتقديسهِ. فمن الممكن أن تُصلي وتتصدّق من دونِ ان نُحبَّ القريب، ولكن لا يُمكننا أن نُحب من دون أن نُصلي ونتصدّق. وهكذا، ففي كلِّ عملِ رحمةٍ نُقدمهُ بمحبة وفرحٍ للقريب، إنما نُعلنُ إيماننا بالله الصلاحُ الأوحد. فإذا أرادَ الإنسان أن يلتفت الله إليه، فليلتفت بمحبّةٍ نحو الفقير والمعوّز (طو 4: 7- 11).
فالصلاة والصومُ الصدقة فعلَ إيمانِ بالله وبأننا لم نُخلَق لأنفسنا بل لله ومن أجل القريب، ونُريد أن يتمجّد اسمُ الله في كلِّ لسانِ، لأننا نُقدمها لله الذي أحبنا وعلينا أن نُحبهُ من خلال محبتنا للمُحتاج. بل أن ربّنا يسوع جعلَ من الصلاة والصوم والصدقة أعمدة الحياة الدينية الصادقة (متّى 1- 18)، فنصلي في الخفيةِ، ونصومُ في الخفية ونتصدّقَ في الخفيةِ بحيث لا تعرِف شمالنا ما تصنعُ يمينُنا، وقال أحد الأباء الروحيين، أن علينا أن نتصدّق مُحبين على نحوٍ لا تعرِف حتّى يميننا ما تصنعهُ هي. وهكذا، في صلاتنا، وخاصةً في صدقتنا نقتربُ من القريب بمحبةٍ صادقةٍ، وهذا القُربُ كفيلٌ بأن يُقرّبنا من الله. لأننا في الصدقة نُعطي بمجّانية وكأننا نقول: إننا لسنا مُتعلقينَ بما نُعطيهِ، ولا نبغي شهرةً، ولا نُريد أن نُجرّبَ الله، بل نُعطي فرحينَ مما أوكلهُ الله إلينا، فلسنا مالكينَ بل وكلاءَ. لأننا لا نستطيع أن نأخذ أموالنا معنا إلى السماء، لكن يُمكننا أن نُرسلها لتسبقنا، وكانَ أحد الآباء الروحيين يقول: كلّما وُجِدَ فقيرٌ أو تعيس، فأعرف أن الله واقفٌ عن يمينهِ.
زمنُ الصوم زمنُ الإيمان بالله المُحب، وزمن دعوةٍ للتوبةِ، فلنتعلّم منه أن نجعلَ حياتنا تقدمةً كاملةً بالمحبّة التي شاركنا بها، وهو يريد منا أن نتقاسمها بفرحٍ مع إخوتنا وأخواتنا.