الأخت نعم بولص
ذهبتُ لأصلي فرأيت في داخلي فريسيٌ وعشارٌ يصليان، فوقفت أتساءل من أريد أن أكون، وحينها نظرتُ إلى الفريسي والعشار:
فرأيت في صلاة الفريسي:
صلاةُ مغرورٍ متكبرٍ يتفاخر بذاته أمام الله ويتظاهر بالبر والإحسان في تعبدهِ؛
صلاةُ فيها حجب الفريسي إلهه فوضع نفسه نصب عينيه؛
صلاةٌ فيها نسى أن يُمجد الله على أعماله، فهنئ نفسهُ على أفعاله، واستحقاقاته؛
صلاةُ فيها شكرَ الفريسي الله بلسانه ظاناً أنه يَخلُص بقدراته الذاتية وطقوسه؛
صلاةٌ إكتفت بالإنتصاب دون الإنحناء أمام عظمة الله خالقه؛
صلاةُ تباهت بحرفية الشريعة والأصوام والعشر من ممتلكاته؛
صلاةٌ متوترة لا تمنح السلام والإستقرار في نفسه؛
صلاةٌ صلى فيها الفريسي ولكن ليس لله، بل لتمجيد نفسه وإدانة غيره؛
صلاةُ من أضاع الدرب فوجد نفسهُ وحيداً دون أن يلتقي بإلهه؛
صلاةُ فيها تجاهل لوصية اللهِ، حملته لإحتقارِ القريب حتى أمام إلهه؛
صلاةٌ حاكمة تحكم على هذا وذاك وتُفسِد اللقاء في ذاته؛
صلاة فارغة كشفت عن خدعة يحملها الفريسي في داخله.
ثم اقتربتُ من العشار فرأيتُ:
صلاة خاشعة، صلاة عشار أمام حضرة الله ربه؛
صلاة متواضعة دعت القلب يتخشع وينفتح أمام عدل الله ورحمته؛
صلاة متسولٍ يقف عند الباب دون خجل ليستعطي من الرب الهه؛
صلاةُ مؤمنٍ عبرَ عن ثقته بإلهه بتواضعه وإنكاره لذاته؛
صلاةُ تائبِ منسحقُ القلب جثا على ركبتيه أمام الله لينال غفرانه؛
صلاة إنسان أفرغَ ذاته ليمتلئ من برارة الله وقداسته؛
صلاةٌ بها وضع العشار نفسهُ، فرفعهُ الله بلمسةِ من حنانه؛
صلاةٌ بيدين فارغتين ممدوتين تنتظران ليملؤهما الله من فيض حبه وإحسانه؛
صلاةُ مرذولٌ ومرفوضٌ من الناس، مرفوع شأنه عند الله خالقه؛
صلاةُ بائسٍ تواضع أمام الخالقِ ليطلب نعمةً ينشله بها من يأسه؛
صلاةُ مريضٌ بالخطيئة يطلبُ الدواء والشفاء من الله طبيبه؛
صلاةُ عشارٍ منكسر القلبِ يدعو ربه من أعماق قلبه قائلاً “الَّلهُمَّ ارحَمني أَنا الخاطئ”.
فطلبتُ من إلهي أن يأخذ بيدي ويُخرجني من ذاتي ويهبني نعمةً فأمثلَ بتواضع العشار، وأصلي معه “الَّلهُمَّ ارحَمني أَنا الخاطئ”، فنلتُ من عظمته، رحمةً وغفراناً وخلاصاً، فهلموا ذوقوا وانظروا ما أطيب رحمة الرب الآن وإلى الأبد في ملكوته. آمين…