الأخت د. حنان إيشوع
تكلمنا في النقطةِ السابقةِ عن تعليمٍ يربّي الإيمان فعلياً لأنه ينمّي ويطورُ الطاقاتِ ويساعدُ في السير على خُطى المسيح نحو الآب بقدرةِ الروح القدس. والآن سنشرحُ كيف أن التعليمَ المسيحيَ جزءٌ من ذاكرةِ الكنيسةِ التي تحافظُ على حضورِ الله فيما بيننا.
هذا ما نقصدُهُ بالطابعِ الديناميكي للتعليم المسيحي، لأنه يستذكرُ صيغَ الإيمانِ الأساسية التي تُساعدنا على فهم مبادئ إيماننا وكيف عاشه كلُّ مؤمنٍ بالمسيح، ليجعلَ منها تواصليةً وآنية. كم هو رائعٌ عندما نكتشف يوماً أن خبراتِنا الإيمانية أصبحتْ جزء من تاريخِ الإيمانِ المسيحي، لأننا أعضاءٌ في جسدِ المسيح الذي هو الكنيسة.
فالتعليمُ المسيحي ليس فِعلاً ميكانيكياً، بل ديناميكياً، أي له طابعُ التواصلِ عبرَ الأجيال، لأنه يربطُ الأحداثَ الماضية، الحاضرةَ والمستقبلية. مثَلاً، كم من آباءِ الكنيسة أو القديسين من القرون الأولى مازالوا وسيزالون قدوةً لنا، يعلموننا السيرَ والنموَّ على طريقِ الإيمان، لأنهم عاشوا فعلاً حسب مشيئةِ الرب وقلبه، وغدوا نوراً وملحاً وخميرة.
علاوةً على ذلك، يدخلُ تعلُّمُ أسس ومبادئ الإيمان في إطار التعليمِ التواصلي، أي نقل مبادئ الإيمان والقبول بها. لذا، لمعلمِ التعليم المسيحي دورٌ أساسيٌ في نقلِ الحقائق الإيمانية إلى التلاميذ، مُعتمداً على عطيةِ الروح القدس التي تُرسخُ فيه الروحانيةَ والشهادةَ والحياةَ المسيحيةَ الفضلى، فيغدو وسيطاً في العلاقةِ بين التلاميذ وسر الله، وبين التلاميذِ في ما بينهم ومع الكنيسةِ، دون أن ينسى دورَ الحرية، أي القبول بالحقائقِ الدينية والانتماءِ إلى الجماعةِ بقرارٍ حرٍ ومسؤول، وعليه، فالعلاقةُ الشخصيةُ بين المعلمِ والمُتعلم هي مهمةٌ ومتميزة، لأنها مبنيةٌ على أساسِ المعرفةِ والتكيف وفي الوقت عينهِ على الخلقِ الابداعي الذي يحترمُ الحريةَ والنضجَ الشخصي.
تساعدُ هذه العلاقةُ المتميزةُ المتُعلمَ على فهمِ عطيةِ الله، لينتقلَ إلى حياةٍ جديدةٍ في مختلفِ ظروف حياته، مستمداً القوةَ من قناعاته الدينية التي تعلمها والخبراتِ الإنسانية التي يمتلكهُا ويكتسبُها، ليفهمَ إيمانَه ويعيشَه في الجماعةِ (الكنيسة)، التي تتقوى بحضورِ المسيحِ الحي فيها – خاصة في سر الافخارستيا، لأنها ذكرى واستمرار لما حدث في العشاءِ السري وعلى الصليب، بناءً على قولِ الرب يسوع “اصنعوا هذا لذكري” (لوقا 22: 19).([1]) هذا ما يجعلنا نفهم بالإيمان حياةَ المسيحِ وموتهِ وقيامته في كما حدث مع تلميذي عماوس، لنعلنَ بعدئذ أنه حيٌّ بيننا إلى الأبد.
فالافخارستيا
تساعدنُا على الاتحاد مع الربِ يسوع وفهمِ تعاليمه، لنعرفَ ذواتِنا ونعملَ ضد
الظلمِ في المجتمع، فنكونَ خميرةً فعالة في المكانِ الذي نعملُ فيه.
([1]) عندما تحتفل الكنيسة بالافخارستيا، تتذكر فصح المسيح، ويصبح الفصح حقيقة ماثلة في الواقع: “كل مرة تقام على المذبح ذبيحة الصليب التي ذُبحَ بها المسيح فصحنا” (1كورنثوس 5: 7)، يتم عمل افتدائنا (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عدد 1364).