full screen background image

تأسيس الإفخارستيا

929

الأخت د. حنان إيشوع

نقرأ في العهد الجديد نصوصاً عديدة عن تأسيس سر الإفخارستيا، تنقل ما قاله الرب يسوع عن سر الشكر: جسده ودمه “وفيما هم يأكلون، اخذ يسوع خبزاً وبارك ثم كسر وناول تلاميذه وقال: خذوا فكلوا، هذا هو جسدي. ثم أخذ كأساً وشكر وناولهم إياها قائلاً: إشربوا منها كلكم. هذا هو دمي، دم العهد…” (مت 26: 26-28)؛ “وبينما هم يأكلون، اخذ خبزاً وبارك، ثم كسره وناولهم وقال: خذوا هذا هو جسدي. ثم أخذ كأسا وشكر وناولهم، فشربوا منها كلهم، وقال لهم: هذا هو دمي، دم العهد يراق من أجل الكثيرين…” (مر 14: 22-25)؛ “… ثم أخذ خبزاً وشكر وكسره وناولهم إياه وقال: هذا هو جسدي يبذل من أجلكم. إصنعوا هذا لذكري. وصنع مثل ذلك على الكأس بعد العشاء، فقال: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، الذي يراق من أجلكم” (لو 22: 14-20)؛ “… أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزاً وشكر، ثم كسره وقال: هذا هو جسدي، إنه من أجلكم. إصنعوا هذا لذكري. وصنع مثل ذلك على الكأس بعد العشاء وقال: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلما شربتم، فاصنعوه لذكري” (1كور 11: 23-25).([1])

أخذ الرب الخبز ولكنه بسر الشكر – الإفخارستيا وبقوة الروح القدس تحول إلى ما قال عنه “جسدي”. بالإيمان يتحول الخبز بالإفخارستيا إلى جسد الرب الحقيقي؛ وكذلك الكأس التي قال عنها “هي العهد الجديد بدمي” (1كور 11: 25)، أي انه عهد دم وهو أمر مهم في الكتاب المقدس: في تقديم ذبيحة قايين؛ في ذبيحة نوح، حين تنسم الرب رائحة رضى ووعد من خلال رمز قوس قزح بأن لا يعود يفني الإنسان من على وجه الأرض؛ وعهد الدم مع إبراهيم في الختان، وأخيرا في سر الإفخارستيا الذي أتم كل الرموز، لأن الذي يأكل من الخبز ويشرب من الخمر يتحد ويخلص بالرب يسوع. فمضمون العهد إذا، هو أن ينعم الإنسان بالخلاص، ويعيش تحت أنظار الله ويشترك في حياته. وأي امتياز أعظم من هذا ان نشترك ونقبل ذبيحة الخلاص، بتناول القربان لنصبح جزءاً من الذي نقبله؟

نتيجة لما ذكرنا مسبقاً نستطيع القول: ان العهد الذي أقامه الله مع الخليقة هو نعمة منه، والقربان هو أعظم نعمة وبركة لحياتنا. فالرب يرافق الإنسان بالبركة، بالحياة وبالنعمة حتى انقضاء العالم “هاأنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم” (مت 28: 20). هذا الحضور لا يظهر بوجه حسي، بل لابد من خبرة ومسيرة طويلة مع الرب كتلك التي قطعها تلميذا عماوس حتى عرفاه، لأن الحضور ليس مشهدا “بعد قليل لن يراني العالم. أما أنتم فسترونني لأني حيّ ولأنكم أنتم أيضا ستحيون” (يو 14: 19)، بل هو مصدر حياة “الذي يأكلني سيحيا بي” (يو 6: 57)، وثبات “من أكل جسدي وشرب دمي ثبت فيَّ وأنا فيه” (يو 6: 56).([2] )


([1]) المطران لويس ساكو، الأسرار السبعة في كنيسة المشرق الآشورية – الكلدانية، شركة الأطلس للطباعة المحدودة – بغداد، العراق 2008، 44؛

Casella Vittorio, L’Eucarestia al centro. Proposta di teologia sacramentaria, San Paolo, Torino 2008, 23-27.

([2]) إن عبارة “ثبت فيَّ” ترد نحو ثلاثين مرة في مؤلفات يوحنا: “إثبتوا في محبتي” (يو 15: 9)؛ “إن ثبتم في كلامي” (يو  8: 31)…الخ. لكن المقصود في أغلب الأحيان هو سُكنى باطنية “كما أنك فيَّ، يا أبت، وأنا فيك، فليكونوا هم أيضا فينا” (يو 17: 21).