مريم مثالنا في الإيمان
إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح
الإيمان فضيلة تجعلنا نؤمن بالله وبكل ما أوحى بهِ إلينا وهي الفضيلة الأولى التي يطلبها يسوع، لقد قال: “من آمن وأعتمد يخلُصْ، ومن لم يؤمن يحكم عليهِ (مرقس16: 16). بغير الإيمان يستحيل نيل رضا الله (عبر11: 6). لذلك يجب أن يكون إيماننا حياً وقوياً. والعذراء مريم مثالٌ كاملٌ للإيمان عندما يبشرها الملاك بالسر الكبير، فتسمع وتؤمن دون تردد، وتُصبح أم الله. “آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب” (لوقا 45:1) وسلمت أمرها له “ليكن لي كقولك” (لو 38:1) هذا الإيمان الذي تسلمته من أبويها وكذلك تمسكت به وحافظت عليه في حياتها وقلبها بتسليم كامل لمشيئة الرب الذي يقود ويدبر الخليقة ورعايته وأبوتهِ وعينه الساهرة دائماً. الله الآب يُريد قلب الإنسان، لذا يُبادر إليهِ مثلما يُبادر المُحب تجاه من يُحبهُ فيسألهُ الشركة، ويبادر تجاهُ بالعهدِ، فالله هو المبادر وهو صاحبُ الخطوة الأولى. من هنا نفهم سلام الملاك لمريم: ” السلام عليكِ يا ممتلئة نعمة”. فمريم لم تملأ نفسها من النعمةِ، الله الآب هو الذي أنعمَ عليها، والله يعطي ما هو عليهِ، المحبة. إلهنا وهبَ لأمنا مريم المحبة، وهذهِ المحبة قادرة على تغيير المحبوب فتجعلهُ إنساناً محباً تخلقهُ من جديد.
سَمِعَت مريم كلام الله، ولمست كلمتهُ، فكان إيمانها بلا حدودٍ سَمِعَت كلام الله في قلبها وأتاحت لهُ أن يضرب فيهِ جذوراً، وأن ينمي كل طاقاتهِ الإلهي، وأن يستحوذ عليها كليةً. لا شيء، في عقلها أو في قلبها، قاوم أو عارض، بل كل شيء استسلم لعمل الله، ولم يخالط تسليم ذاتها للرب أي تحفّظٍ. رُبما لم تُدرك كل ما كان الله يحققهُ فيها، ولكنها أيقنت بقدرتهِ وحقيقتهِ، ولم يُخِفها السر. رحبت بالنور في العتمة، وبالكلمة في الصمت، ولم يحل الصمت ولا العتمة دون يقينها. مع إيمانها الوطيد بأن المستحيل على البشر، ممكن لله وسهلٌ، كانت قدماها راسختين على الأرض. لذلك استوضحت عن إمكانية التوفيق بين المستحيل ونذر بتوليتها. وما إعلانها: “فليكن لي بحسب قولك” سوى اعتراف بأن مشيئة الله كلية القدرة، ولم تقتضِ دليلاً لأن قول الله حَسْبُها.
إيمان أمنا مريم هو إيمان يُصغي إلى كلمة الله ويتأمل فيها ويحفظها ويرافقها ويحرسها بل يبحث عنها كيلا تتيه عنهُ. إيمانها إيمانٌ يسهر على كلمة الله، ويخدم كلمة الله، ويعتني بكلمة الله في بيت لحم وفي مصر وفي الناصرة وفي الجليل وعلى الجلجلة. ومن هذهِ المحطات نعرف أنهُ إيمانٌ مُختبر بالصعوبات والآلام، فلم تكن حياتها مفروشة بالوردِ بل نفذ سيف الحزن في نفسها (لوقا2: 35). إن إيمان مريم هو الذي أعدها وجعلها مستحقة لتكون أمّاً لابن الله المتأنس، فإن كان إيمان مريم قد أعدها ورفعها إلى منزلة السامية التي أختارها الله لها، أفلا يكون إيماننا أيضاً الطريق الذي يقودنا إلى الحياة السامية، أي إلى الله؟ أفلم يقول ربنا لمار توما: “طوبى للذين آمنوا ولم يروا” (يوحنا20: 29) أوليست هذهِ الطوبى موجهة إلينا؟
علينا أن نؤمن إيماناً حياً فعلاً بكل ما علّمهُ يسوع، متطلعين إلى المستقبل بفرح وأمل، والإيمان ليس كلمات نرددها وصلوات نتلوها بل هو لقاء شخصي بالله الحي، إيمان أمّنا مريم هو إيمان شاكرٌ، أصلهُ من عند الله وعادَ إليهِ بإنسانةٍ تُمجدهُ لعظمتهِ: “تُعظمُ نفسي الرب، وتبتهجُ روحي باللهِ مُخلصي، لأنهُ نظرَ إليَّ أنا خادمتهُ الوضيعة” فكل التمجيد هو لله وهي صارت مُباركة بسبب نعمةِ الله. لم تتفاخر أو تتكبر بسبب ما أُعطيَّ لها من النعمة، بل رأت فيها علامات محبة الله للإنسان.
لنصلِّ: يا أمنا القديسة مريم اجعلي إيماننا ثابتاً راسخاً بابنكِ الفادي يسوع المسيح، اجعلينا تلامذة أُمناء لهُ، نُصغي إليهِ بقلبٍ صافٍ وبطاعة نزيهة ولترافقنا صلاتُكِ مثلما رافقت الكنيسة، وأرشدينا إلى ابنكِ الإلهي عندما نتيهُ عنهُ، نُعلق عليكِ رجاؤنا كما مرساةٍ أمينة وراسخة. آمين.