full screen background image

تأمل اليوم السادس والعشرون من الشهر المريمي

663

مريم جرّة قانا السابعة الممتلئة خمرة السماء

إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح

يا مريم سلطانة الحب، أنتِ هي الموضوع الأعظم حبّاً، وأنتِ هي المحبوبة أشد حبّاً من الجميع، وأنتِ هي المتّقدة بنار الحب أكثر من كل أحد، فيا أمي أنتِ كنتِ على الأرض مشتعلةً بكليتكِ دائماً بلهيب نار الحب نحو الله. فتنازلي مرتضيةً بأن تهبيني قلمًا يكون شرارةً واحدةً من هذه النار، فأنتِ قد تضرّعتِ لدى إبنكِ يسوع من أجل العروس والعروسة اللذين في وليمة عرسهما في قانا الجليل نقص عنهما الخمر قائلةً له تعالى: أن ليس عندهم خمرٌ: أفهل لا تتضرعين لديه من أجلنا نحن الفارغين من خمر الحب نحو الله، مع أننا ملتزمون إلتزاماً هذا حدّ صرامته بأن نحبّه عز وجل. فقولي إذاً له: أن هؤلاء ليس عندهم حبٌ: وهكذا أنتِ استمدي لنا منه هذا الحب، ونحن لا نطلب منكِ نعمةً أخرى غير هذه.

هذه الآية تمّت بمشاركة أمّ يسوع. عينها ساهرة لا للانتقاد بل لتلبية حاجة تزيد من سعادة أهل البيت والمدعوين. وحينما لاحظت نفاد الخمر، تدخلت تدخلاً لطيفاً ولفتت انتباه ابنها بما لها من دالة عليه وبما عندها من شعور عميق مع العروسين في حيرتهما. وبالرغم من جواب يسوع لها، وجوابه يبدو صعباً، تبقى مريم واثقة من أن ابنها لا يرد لها طلباً يهدف إلى خدمة الإنسان. لذلك تتجه إلى الخدم حتى يأتمروا بأوامر يسوع: “مهما يأمركم به فافعلوه”. وفي كلامها هذا برنامج عمل وحياة لكل مؤمن يتبع يسوع. كم من مرة لا نفهم ما يطلبه يسوع منا وما يأمرنا به فنحاول أن نتملّص منه. كم من مرة تبدو لنا الحياة معه والحلول التي يعرضها علينا صعبة التطبيق، فنتهرب متذرعين بألف حجة وحجة. ولكن كلام مريم لنا يبقى هو هو لا يتغير: “مهما يأمركم به فافعلوه”. فما من إنسان واحد اهتدى بأوامره وخابت آماله.

يُعتبر عُرس قانا الجليل، الحدث الأكبر بهجةً والذي يتفوق بأحداثهِ على كل أفراح وأعراس العهد القديم، لأن شخصيات الوعد، تُشارك فيهِ بشكل مُباشر، وتُحضر لهُ، مُظهرةً مجد الله من خلال “المادة” أعني “الخمر” التي فرغت ونقصت، فأبرزت دور “المرأة” وأظهرت “مجد نسلِها” الذي خرج منها ليُعيد الفرح إلى حالتهِ الأولى. دُعيت أم يسوع فلبت الدعوة، وبما أن يسوع هو ابنها، وجِهت إليهِ دعوة خاصة، فحضر وحضرَ معهُ تلاميذهُ، سوف يهيئ حضور مريم لمجيئ ابنها بشخصهِ الإلهي، فيشارك في العرس. سبقتهُ في تلبية الدعوة، فانفصلت عن وحيدها الذي كرس حياتهِ لرسالتهِ.

نفذت الخمر على ما يبدو، إن إقبال الضيوف والمهنئين قد فاقا كل توقع، فلاحظت مريم نفاذ الخمر وأدركت خطورة الأمر، انحنت مريم نحو ابنها وهمست في أُذُنيهِ: “ليس عندهم خمر”، حيثُ يُبرز لنا انحناء مريم على يسوع قمة الاحترام لأهل العرس، حيثُ تجنبت وقوع أي فضيحة، فتبدو مريم السيدة المنتبهة والمتيقظة وسط أُناس يفرحون ويضجون ويشربون ويأكلون ويرقصون. تهتم مريم بالوليمة وباستمرارية الفرح الذي تؤمنهُ الخمر. عينا مريم شاخصتان نحو كل الأطباق المقدمة في الوليمة. إن جواب يسوع لأمهِ “ما لي ولكِ يا امرأة”، يبدو وكأن يسوع يُظهر إيمان أمهِ أمام تلاميذهِ، هي التي أرادت أن تُظهرهُ في هذا الطلب ربّاً وإلهاً مُمجداً في اليوم الثالث. لقد أراد يسوع أن يكشف للجميع إيمان أُمهِ، التي تؤمن دون أن ترى، وذلك كيما يتشبّهوا بها وبمثلِها، اكتمل عُرس قانا بحضور مريم ويسوع. يسوع قدم خمرةً جيدة لأهل العرس، ومريم قدمت يسوع ابنها خمرةً سماويةً، قد ملأها حتى الفيض، فطفحت وسكبت الفرح على العالم مُرويةً ظمأ العطاش إلى دماء المسيح المحيية. فمريم العذراء هي جرّة قانا السابعة التي قدمت للعالم ماء الحياة الأبدية وخمرةَ الخلود.

لنصلِّ: ليكن نظرك يا مريم أمنا القديسة، علينا وعلى عوائلنا وأبناءنا الأطفال والشباب، في أفراحنا وأحزاننا كوني معنا. ساعدينا حتى نتقبّل عطايا ابنك بالشكر والاستسلام التام لمشيئته المقدسة آمين.