full screen background image

تأمل اليوم الخامس والعشرون من الشهر المريمي

1844

مريم سلطانة السلام

إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح

إن لقب سلطانة أو ملكة أُعطي للعذراء مريم منذُ بدء القرن الرابع الميلادي كدلالة على مكانتها وقوة شفاعتها وقد أُدخل في كثير من الصلوات الطقسية، وحتى في الفنون حيث ترسم العذراء وعلى رأسها تاج. إن مريم استجابت للعديد من الصلوات ليحلّ السلام على الأرض وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى ولذا أُطلق عليها “ملكة السلام”، ومريم كملكة تعطي للعالم حضوراً لعدل ومحبة ورحمة سيدنا يسوع المسيح. مريم أعطت للعالم “رئيس السلام” (اش9: 6)، الذي سبّحت لهُ الملائكة وعلى الأرض السلام (لوقا2: 14)، والسلام هو بركة وعطية من السيد المسيح للقلب والنفس وليس كسلام العالم، وهو ثمرة للروح القدس (غلا5: 22) ويُدعى صانعوا السلام بأبناء الله (متى5: 9)، ومريم الطاهرة والممتلئة نعمة تعطي مكرميها السلام الداخلي الذي تزينت بهِ، وتشترك معهم في الصلاة لابنها يسوع معطي السلام “سلامي أُعطيكم، سلامي أتركُ لكم” (يو14: 27). مريم سلطانة السلام. مريم سلطانة العالم، كما إن يسوع هو ملك الأفراد والعائلات والشعوب إذ هو خالقها وربّها وفاديها فبالتالي تكون مريم على غرار ابنها ملكة وسلطانة الممالك والشعوب، سلطانة العالم لأنها سلطانة السلام، فيوم ولادة يسوع نادت ملائكة السماء بالسلام هكذا مريم هي سلطانة العالم لأنها تهدي العالم نعمة السلام. مريم سلطانة العالم، فهي سلطانة النُسّاك والمتوحدين الذين يعيشون في المغاور والجبال، وهي سلطانة العذارى لتصون عفافهُنَ وطهارتهن، وهي سلطانة المسافرين في البحور لتنقذهم من الغرق، وهي سلطانة الراحلين في الجو لتَقيهم شر السقوط وتنجّيهم من كل خطرٍ، وسلطانة جميع الذين يعيشون في وادي الدموع وينوءون تحت أثقال الأحزان والآلام لتوصلهم إلى شاطئ الخلاص.

إذًا لا نتعجب إذا دعت الكنيسة المقدسة مريم العذراء سلطانة الملائكة. فابنها يسوع ملك الملائكة وهم خدامهُ وجنودهِ وأم الملك تكون أرفع من خدام ابنها وعلى خدام ابنها أن يطيعوها لا سيما قد جعلها ابنها سلطانة السماء والأرض ورفع عرشها فوق الملائكة فالقديس يوحنا شاهد في رؤياهُ ملكة عظيمة جالسة على عرش فوق عروش السماويين. وجهها كالشمس وتحت قدميها القمر وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً. إن أمنا مريم القديسة هي سلطانة السلام الحقيقي، فالسلام الحقيقي هو أن يكون الإنسان في حالة صلح من الله أي أن يكون ضميرهُ خالياً من الخطيئة المميتة وقلبهُ متّحداً بالله المحبة. وإرادتهِ تريد ما يريدهُ الله وتخضع لأحكامهِ. وفي مثل هذهِ الحالة يكون الإنسان حاصلاً على رضى الله ومطمئناً إلى بلوغ سعادتهِ الخالدة. فسيدتنا مريم العذراء كانت حاصلة على السلام الحقيقي لأن ضميرها كان دائماً خالياً من الخطيئة وقلبها متحداً بالله دائماً وإرادتها تريد ما يريدهُ الله. وسيدتنا مريم العذراء قد أعطت السلام الحقيقي للعالم وأعادت إليهِ الطمأنينة لأنها بواسطة ابنها فتحت باب السماء الذي كان مغلقاً في وجه الإنسان وصالحتهُ مع الله خالقهِ. وغسلت بدم ابنها جرائم الإنسان التي كانت قد أغلقت بوجههِ باب السماء وفتحت أمامهُ هوة الهلاك. ووهبتهُ السلام الحقيقي الذي يفتش عنهُ عبثاً في هذهِ الحياة. فأطمأن الإنسان إلى بلوغ سعادتهِ الخالدة.

إن أمنا مريم ليست هي فقط سلطانة السلام وسلطانة القديسين بل هي سلطانة السماء والأرض وما فيهما. وقد وضع ابنها يسوع المسيح في يديها هذا السلطان ليرفع مقامها لأنها أمهُ والابن الذي يكرّم أمهُ كأنهُ يكرّم نفسهُ. فهنيئاً لنا نحنُ سكان الأرض لأن مريم العذراء هي سلطانتنا وملكتنا، ولنا فيها ملء الثقة. وهي تحوي في ذاتها الكرم والسخاء والحنان وكل الصفات والفضائل لتكون ملكة وسلطانة، فلنفرح إذاً ولنبتهج ولنجتهد أن نكون لسلطانتنا جنوداً مخلصين، فالجندي المخلص الأمين يبذل كل ما بوسعهِ من قوة وشجاعة للدفاع عن كرامة ملكهِ. هكذا نكون نحنُ جنود مريم العذراء يجب علينا أن لا ندخر شيئاً في سبيل الدفاع عن كرامة سلطانتنا وملكتنا مريم العذراء. ولنسع بأن تنشر عبادتها ومحبتها بين الجميع ومحبة العذراء وعبادتها ضمانة الخلاص.

لنصلِّ: يا أمنا العذراء القديسة، يا سيدة السماء والأرض، يا سيدة الشرق والعالم أجمع، السلام عليك يا سيدةً، يا ملكةً، قديسةً، السلام عليكِ يا أم يسوع، والسلام عليكِ أيتها الفضائلُ المقدسةُ كلها، المنسكبة في قلوب المؤمنين،

بنعمةِ الروحِ القدس وتنويره، لكي تحوِّلهم من عديمي الأمانة إلى أُمناء لله. إننا نُحبُكِ وحبك هو أجمل ما يمتلكنا ويملأنا سلاماً، لكِ نهدي هذا السلام الذي هو منكِ علّه يشفينا ويشفي كل قلب يتطلّع إلى حضن الله. آمين.